أي : حمر وحش ، نفرت فنفر بعضها بعضا ، فزاد عدوها.
[٥١] (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (٥١) ، أي : من صائد ورام يريدها ، أو من أسد ونحوه. وهذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحقّ ، ومع هذا النفور والإعراض ، يدعون الدعاوى الكبار.
[٥٢] (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) نازلة عليه من السماء ، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك ، وقد كذبوا ، فإنهم لو جاءتهم كلّ آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، لأنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحقّ وتوضحه ، فلو كان فيهم خير لآمنوا.
[٥٣] ولهذا قال : (كَلَّا) ، أي : لا نعطيهم ما طلبوا ، وهم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز. (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) فلو كانوا يخافونها ، لما جرى منهم ما جرى.
[٥٤] (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) (٥٤) الضمير إما أن يعود على هذه السورة ، أو على ما اشتملت عليه من هذه الموعظة.
[٥٥] (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (٥٥) لأنه قد بين له السبيل ، ووضع له الدليل.
[٥٦] (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فإن مشيئة الله ، نافذة عامة ، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير ، ففيها رد على القدرية ، الّذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله ، والجبرية الّذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة ، ولا فعل حقيقة ، وإنما هو مجبور على أفعاله. فأثبت الله تعالى للعبد مشيئته حقيقة وفعلا ، وجعل ذلك تابعا لمشيئته. (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ، أي : هو أهل أن يتقى ويعبد ، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وأهل أن يغفر لمن اتقاه ، واتبع رضاه. تم تفسير سورة المدثر ـ ولله الحمد والمنة.
تفسير سورة القيامة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] ليست «لا» هاهنا نافية ولا زائدة ، وإنما أتى بها للاستفتاح والاهتمام بما بعدها ، ولكثرة الإتيان بها مع اليمين ، لا يستغرب الاستفتاح بها ، وإن لم تكن في الأصل موضوعة للاستفتاح. فالمقسم به في هذا الموضع ، هو المقسم عليه ، وهو : البعث بعد الموت ، وقيام الناس من قبورهم ، ثمّ وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم.
[٢] (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (٢) وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة ، سمّيت «لوّامة» لكثيرة تلونها وترددها ، وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها ، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما فعلت ، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا ، على ما حصل منه ، من تفريط وتقصير ، في حق من الحقوق ، أو غفلة. فجمع بين الإقسام بالجزاء ، وعلى الجزاء ، وبين مستحق الجزاء. ثمّ أخبر مع هذا ، أن بعض المعاندين يكذبون بيوم القيامة ، فقال :
[٣] (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) (٣) بعد الموت ، كما قال : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)؟ فاستبعد من