سورة المرسلات
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] أقسم تعالى على البعث والجزاء على الأعمال ، بالمرسلات عرفا ، وهي : الملائكة التي يرسلها الله بشؤونه القدرية ، وتدبير العالم وبشؤونه الشرعية ، ووحيه إلى رسله. و (عُرْفاً) حال من المرسلات ، أي : أرسلت بالعرف ، والحكمة ، والمصلحة ، لا بالنكر والعبث.
[٢] (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) (٢) وهي أيضا الملائكة التي يرسلها الله تعالى ، وصفها بالمبادرة لأمره ، وسرعة تنفيذ أوامره ، كالريح العاصف. أو : أن العاصفات ، الرياح الشديدة ، التي يسرع هبوبها.
[٣] (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) (٣) يحتمل أن المراد بها الملائكة ، تنشر ما دبرت على نشره ، أو أنها : السحاب التي ينشر بها الله الأرض ، فيحييها بعد موتها.
[٥] (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) (٥) هي الملائكة ، تلقي أشرف الأوامر ، وهي الذكر الذي يرحم الله به عباده ، ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم ، تلقيه إلى الرسل.
[٦] (عُذْراً أَوْ نُذْراً) (٦) ، أي : إعذارا ، أو إنذارا للناس ، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف ، وتقطع أعذارهم ، فلا يكون لهم حجة على الله.
[٧] (إِنَّما تُوعَدُونَ) من البعث والجزاء على الأعمال (لَواقِعٌ) ، أي : متحتم وقوعه ، من غير شك ولا ارتياب. فإذا وقع حصل من التغير والأهوال الشديدة للعالم ، ما يزعج القلوب وتشتد له الكروب ، فتنطمس النجوم ، أي : تتناثر وتزول عن أماكنها وتنسف الجبال ، فتكون كالهباء المنثور ، وتكون هي والأرض قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل ، وأجلت للحكم بينها وبين أممها ولهذا قال :
[١٢] (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) (١٢) استفهام للتعظيم والتفخيم ، والتهويل.
[١٣] ثم أجاب بقوله : (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) (١٣) ، أي : بين الخلائق ، بعضهم من بعض ، وحساب كل منهم منفردا. ثم توعد المكذب بهذا اليوم ، فقال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٥) ، أي : يا حسرتهم وشدة عذابهم ، وسوء منقلبهم ، أخبرهم الله ، وأقسم لهم ، فلم يصدقوه ، فلذلك استحقوا العقوبة البليغة.
[١٦] أي : أما أهلكنا المكذبين السابقين ، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين ، وهذه سنته السابقة واللاحقة ، في كل مجرم لا بد من عقابه ، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون؟.
[١٩] (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٩) بعد ما شاهدوا من الآيات البينات ، والعقوبات والمثلات.
[٢٠ ـ ٢١] أي : أما خلقناكم أيها الآدميون (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ، أي : في غاية الحقارة ، خرج من بين الصلب والترائب ، حتى جعله الله (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) وهو الرحم ، به يستقر وينمو.
[٢٢] (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢٢) ووقت مقدر.
[٢٣] (فَقَدَرْنا) ، أي : قدرنا ودبرنا ذلك الجنين ، في تلك الظلمات ، ونقلناه من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى أن جعله الله جسدا ، ونفخ فيه الروح ومنهم من يموت قبل ذلك. (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) يعني بذلك ، نفسه المقدسة ، لأن