[٦] ثمّ ذكر تعالى النعم والأدلة الدالة على ما جاءت به الرسل ، فقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ) ، إلى : (أَلْفافاً). أي : أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة ، فجعلنا لكم (الْأَرْضَ مِهاداً) ، أي : ممهدة مذللة لكم ولمصالحكم ، من الحروث ، والمساكن والسبل.
[٧] (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٧) تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم وتميد.
[٨] (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) (٨) ، أي : ذكورا وإناثا ، من جنس واحد ، ليسكن كلّ منهما إلى الآخر ، فتتكون المودة والرحمة ، وتنشأ عنهما الذرية ، وفي ضمن هذا الامتنان ، بلذة المنكح.
[٩] (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) (٩) ، أي : راحة لكم ، وقطعا لأشغالكم ، الّتي متى تمادت بكم ، أضرت بأبدانكم ، فجعل الله الليل والنوم ، يغشى الناس ، لتسكن حركاتهم الضارة ، وتحصل راحتهم النافعة.
[١٢] (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) (١٢) ، أي : سبع سموات ، في غاية القوة ، والصلابة والشدة. وقد أمسكها الله بقدرته ، وجعلها سقفا للأرض ، فيها عدة منافع لهم ، ولهذا ذكر من منافعها الشمس ، فقال :
[١٣] (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) (١٣) نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار ضرورة للخلق ، وبالوهاج ، وهي : حرارتها ، على ما فيها من الإنضاج والمنافع.
[١٤] (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) ، أي : السحاب (ماءً ثَجَّاجاً) ، أي : كثيرا جدا.
[١٥] (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا) من برّ وشعير ، وذرة ، وأرز ، وغير ذلك مما يأكله الآدميون. (وَنَباتاً) يشمل سائر النبات ، الذي جعله الله قوتا لمواشيهم.
[١٦] (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) (١٦) ، أي : بساتين ملتفة ، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة. فالذي أنعم بهذه النعم الجليلة ، الّتي لا يقدر قدرها ، ولا يحصى عددها كيف تكفرون به ، وتكذبون ما أخبركم به ، من البعث والنشور؟ أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه ، وتجحدونها؟
[١٧] ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون ، ويجحده المعاندون ، أنه يوم عظيم ، وأن الله جعله (مِيقاتاً) للخلق.
[١٨] (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) ، ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له المولود ، وتنزعج له القلوب. فتسير الجبال ، حتى تكون كالهباء المبثوث ، وتنشق السماء حتى تكون أبوابا ، ويفصل الله بين الخلائق ، بحكمه الذي لا يجور ، وتوقد نار جهنم الّتي أرصدها الله ، وأعدها للطاغين وجعلها مثوى لهم ومآبا ، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة ، و «الحقب» على ما قاله كثير من المفسرين : ثمانون سنة.
[٢٤] فإذا وردوها (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) ، أي : لا ما يبرد جلودهم ، ولا ما يدفع ظمأهم. (إِلَّا حَمِيماً) ، أي : ماء حارا ، يشوي وجوههم ، ويقطع أمعاءهم. (وَغَسَّاقاً) وهو صديد أهل النار ، الذي هو في غاية النتن ، وكراهة المذاق.
[٢٦] وإنّما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة (جَزاءً وِفاقاً) (٢٦) لهم على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها ، لم يظلمهم الله ، ولكن ظلموا أنفسهم ، ولهذا ذكر أعمالهم ، الّتي استحقوا بها هذا الجزاء ، فقال :
[٢٧] (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) (٢٧) ، أي : لا يؤمنون بالبعث ، ولا أن الله يجازي الخلق ، بالخير والشر ، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.
[٢٨] (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) (٢٨) ، أي : كذبوا بها ، تكذيبا واضحا ، صريحا ، وجاءتهم البينات فعاندوها.