سورة النازعات
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذه الإقسامات بالملائكة الكرام وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله ، وإسراعهم في تنفيذه ، يحتمل أن المقسم عليه ، الجزاء والبعث بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك. ويحتمل أن المقسم عليه ، والمقسم به متحدان ، وأنه أقسم على الملائكة لأن الإيمان بهم ، أحد أركان الإيمان الستة. ولأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة ، عند الموت وقبله ، وبعده ، فقال : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) (١) وهم الملائكة ، الّتي تنزع الأرواح بقوة ، وتغرق في نزعها ، حتى تخرج الروح ، فتجازى بعملها.
[٢] (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) (٢) وهي الملائكة أيضا ، تجتذب الأرواح بقوة ونشاط ، أو أن النشاط يكون لأرواح المؤمنين ، والنزع لأرواح الكفار.
[٣] (وَالسَّابِحاتِ) أي : المترددات في الهواء صعودا ونزولا (سَبْحاً).
[٤] (فَالسَّابِقاتِ) لغيرها (سَبْقاً) فتبادر لأمر الله ، وتسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل الله ، لئلا تسترقه.
[٥] (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥) الملائكة ، الّذين جعلهم الله يدبرون كثيرا من أمور العالم ، العلوي والسفلي ، من الأمطار ، والنبات ، والرياح ، والبحار ، والأجنة ، والحيوانات ، والجنة ، والنار وغير ذلك.
[٦] (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (٦) وهي قيام الساعة.
[٧] (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (٧) ، أي : الرجفة الأخرى ، الّتي تردفها ، وتأتي تلوها.
[٨] (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) (٨) ، أي : منزعجة من شدة ما ترى وتسمع.
[٩] (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) (٩) ، أي : ذليلة حقيرة ، قد ملك قلوبهم الخوف ، وأذهل أفئدتهم الفزع ، وغلب عليهم التأسف ، واستولت عليهم الحسرة.
[١٠] (يَقُولُونَ) أي : منكرو البعث في الدنيا ـ استهزاء وإنكارا للبعث ـ : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) ، أي : أنرد بعد الموت إلى الخلقة الأولى؟ استفهام إنكاري مشتمل على غاية التعجب ، ونهاية الاستغراب ، أنكروا البعث ، ثمّ ازدادوا استبعادا فاستمروا.
[١١] يقولون ، أي : الكفار في الدنيا ، على وجه التكذيب : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (١١) ، أي : بالية فتاتا. والمعنى : «أنرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاما وهي رميم؟».
[١٢] (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) (١٢) ، أي : استبعدوا أن يبعثهم الله ، ويعيدهم بعد ما كانوا عظاما نخرة ، جهلا منهم بقدرة الله ، وتجرّؤا عليه.
[١٣] قال الله في بيان سهولة هذا الأمر عليه : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) (١٣) ، ينفخ في الصور.
[١٤] (فَإِذا هُمْ) ، أي : الخلائق كلهم (بِالسَّاهِرَةِ) ، أي : على وجه الأرض ، قيام ينظرون ، فيجمعهم الله ، ويقضي بينهم ، بحكمه العدل ، ويجازيهم.
[١٥] يقول الله تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (١٥) ، وهذا الاستفهام عن أمر عظيم متحقق وقوعه.
[١٦] أي : هل أتاك حديثه (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٦) وهو المحل الذي كلمه الله فيه ، وامتنّ عليه بالرسالة ، وابتعثه بالوحي ، واجتباه فقال له :
[١٧] (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (١٧) ، أي : فانهه عن طغيانه ، وشركه ،