صاحبه ، وكلّ محب عن حبيبه.
[٣٥] و (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) في الدنيا ، من خير وشر ، فيتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته ، ويغمّ ويحزن لزيادة مثقال ذرة في سيئاته. ويعلم إذ ذاك أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في الدنيا ، وينقطع كلّ سبب وصلة كانت له في الدنيا ، سوى الأعمال.
[٣٦] (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (٣٦) ، أي : جعلت في البراز ، ظاهرة لكل أحد قد هيئت لأهلها ، واستعدت لأخذهم ، منتظرة لأمر ربها.
[٣٧] (فَأَمَّا مَنْ طَغى) (٣٧) ، أي : جاوز الحد ، بأن تجرأ على المعاصي الكبار ، ولم يقتصر على ما حده الله.
[٣٨] (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٣٨) على الآخرة ، فصار سعيه لها ، ووقته مستغرقا في حظوظها وشهواتها ، ونسي الآخرة والعمل لها.
[٣٩] (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (٣٩) له ، أي : المقر والمسكن لمن هذه حاله.
[٤٠] (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي : خاف القيام عليه ، ومجازاته بالعدل فأثّر هذا الخوف في قلبه ، (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) الذي يصدها عن طاعة الله ، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول ، وجاهد الهوى والشهوة ، الصادّين عن الخير.
[٤١] (فَإِنَّ الْجَنَّةَ) المشتملة على كلّ خير وسرور ونعيم (هِيَ الْمَأْوى) لمن هذا وصفه.
[٤٢] أي : يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث (عَنِ السَّاعَةِ) متى وقوعها (أَيَّانَ مُرْساها) ، فأجابهم الله بقوله :
[٤٣] (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) (٤٣) ، أي : ما الفائدة لك ولهم في ذكرها ، ومعرفة وقت مجيئها؟ فليس تحت ذلك نتيجة. ولهذا لما كان علم العباد للساعة ، ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية ، بل المصلحة في إخفائه عليهم ، طوى علم ذلك عن جميع الخلق ، واستأثر بعلمه فقال :
[٤٤] (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) (٤٤) ، أي : إليه ينتهي علمها ، كما قال في الآية الأخرى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ).
[٤٥] (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٤٥) ، أي : إنّما نذارتك ، نفعها لمن يخشى مجيء الساعة ، ويخاف الوقوف بين يدي الله ، فهم الّذين لا يهمهم إلا الاستعداد لها ، والعمل لأجلها. وأما من لم يؤمن بها ، فلا يبالي به ، ولا بتعنته ، لأنه تعنت مبني على التكذيب والعناد ، وإذا وصل إلى هذه الحال ، كانت الإجابة عنه عبثا ، ينزه أحكم الحاكمين عنه
[٤٦] (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (٤٦). تم تفسير سورة النازعات ـ بعون الله وتوفيقه.