هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التصاريف ، لم يشاركه فيه مشارك. وهو ـ مع هذا ـ لا يقوم بما أمره الله ، ولم يقض ما فرضه عليه ، بل لا يزال مقصرا تحت الطلب.
[٢٤ ـ ٢٥] ثم أرشده الله إلى النظر والتفكر في طعامه ، وكيف وصل إليه بعد ما تكررت عليه طبقات عديدة ، ويسره له ، فقال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) (٢٥) ، أي : أنزلنا المطر على الأرض بكثرة.
[٢٦ ـ ٢٧] (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ) للنبات (شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها) أصنافا مصنفة من أنواع الأطعمة اللذيذة ، والأقوات الشهية (حَبًّا) ، وهذا شامل لسائر الحبوب على اختلاف أصنافها.
[٢٨] (وَعِنَباً وَقَضْباً) (٢٨) وهو القتّ : (وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً) (٢٩). وخصّ هذه الأربعة لكثرة فوائدها ومنافعها.
[٣٠] (وَحَدائِقَ غُلْباً) (٣٠) ، أي : بساتين فيها الأشجار الكثيرة الملتفة.
[٣١] (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١) الفاكهة : ما يتفكه فيه الإنسان ، من تين وعنب وخوخ ورمان ، وغير ذلك. والأبّ : ما تأكله البهائم والأنعام ، ولهذا قال :
[٣٢] (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٢) الّتي خلقها الله وسخرها لكم. فمن نظر في هذه النعم ، أوجب له ذلك ، شكر ربه ، وبدل الجهد في الإنابة إليه ، والإقبال على طاعته ، والتصديق لأخباره.
[٣٣] أي : إذا جاءت صيحة القيامة الّتي تصخ لهولها الأسماع ، وتنزعج لها الأفئدة يومئذ ، مما يرى الناس من الأهوال وشدة الحاجة لسالف الأعمال. (يَفِرُّ الْمَرْءُ) من أعز الناس عليه ، وأشفقهم عليه (مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ) ، أي : زوجته (وَبَنِيهِ).
[٣٧] وذلك لأنه (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) ، أي : قد شغلته نفسه ، واهتم لفكاكها ، ولم يكن له التفات إلى غيرها. فحينئذ ينقسم الخلق إلى فريقين : سعداء ، وأشقياء.
[٣٨] فأما السعداء ، فوجوههم (يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) ، أي : قد ظهر فيها السرور والبهجة ، لما عرفوا من نجاتهم ، وفوزهم بالنعيم.
[٣٩ ـ ٤١] (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ) ، الأشقياء (يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها) أي : تغشاها (قَتَرَةٌ) فهي سوداء مظلمة مدلهمة ، قد أيست من كلّ خير ، وعرفت شقاءها وهلاكها.
[٤٢] (أُولئِكَ) الّذين بهذا الوصف (هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) ، أي : الّذين كفروا بنعمة الله ، وكذبوا بآياته ، وتجرأوا على محارمه. نسأل الله العفو والعافية ، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة عبس ـ والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة التكوير
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] أي : إذا حصلت هذه الأمور الهائلة ، تميز الخلق ، وعلم كلّ ما قدمه لآخرته ، وما أحضره فيها من خير