سورة الإنفطار
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٥] أي : إذا انشقت السماء وانفطرت ، وتناثرت نجومها ، وزال جمالها ، وفجرت البحار ، فصارت بحرا واحدا ، وبعثرت القبور بأن أخرج ما فيها من الأموات ، وحشروا للموقف ، بين يدي الله ، للجزاء على الأعمال. فحينئذ ينكشف الغطاء ، ويزول ما كان خفيا ، وتعلم كل نفس ما معها من الأرباح والخسران. هنالك يعض الظالم على يديه ، إذا رأى ما قدمت يداه ، وأيقن بالشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي. وهنالك يفوز المتقون ، المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم ، والنعيم المقيم ، والسلامة من عذاب الجحيم.
[٦] يقول تعالى ، معاتبا للإنسان المقصر في حقه ، المتجرئ على معاصيه : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦) أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟
[٧] أليس هو (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ) في أحسن تقويم؟ (فَعَدَلَكَ) وركبك تركيبا قويما معتدلا ، في أحسن الأشكال ، وأجمل الهيئات. فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم ، أو تجحد إحسان المحسن؟ إن هذا إلا من جهلك وظلمك ، وعنادك وغشمك ، فاحمد الله إذ لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار أو نحوهما من الحيوانات.
[٨] ولهذا قال تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨).
[٩] وقوله : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) (٩) ، أي : مع هذا الوعظ والتذكير ، لا تزالوا مستمرين على التكذيب بالجزاء.
[١٠ ـ ١٢] وأنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم ، وقد أقام الله عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم وأفعالكم ويعلمونها ، فدخل في هذا أفعال القلوب ، وأفعال الجوارح ، فاللائق بكم ، أن تكرموهم وتجلوهم.
[١٣] المراد بالأبرار ، هم القائمون بحقوق الله ، وحقوق عباده ، الملازمون للبر ، في أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح ، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب ، والروح والبدن ، في دار الدنيا ، وفي دار البرزخ ، وفي دار القرار.
[١٤] (وَإِنَّ الْفُجَّارَ) الّذين قصروا في حقوق الله وحقوق عباده ، الّذين فجرت قلوبهم ففجرت أعمالهم (لَفِي جَحِيمٍ) ، أي : عذاب أليم ، في دار الدنيا ، ودار البرزخ ، وفي دار القرار.
[١٥] (يَصْلَوْنَها) ويعذبون بها أشد العذاب (يَوْمَ الدِّينِ) ، أي : يوم الجزاء على الأعمال.
[١٦] (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) (١٦) ، أي : بل هم ملازمون لها ، لا يخرجون منها.
[١٧ ـ ١٨] (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (١٨) في هذا تهويل لذلك اليوم الشديد ، الذي يحير الأذهان.
[١٩] (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) ولو كانت قريبة أو حبيبة مصافية فكل مشتغل بنفسه لا يطلب الفكاك لغيرها. (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) فهو الذي يفصل بين العباد ، ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه ، والله أعلم.