سورة المطففين
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] (وَيْلٌ) كلمة عذاب وعقاب (لِلْمُطَفِّفِينَ) وفسر الله المطففين بأنهم (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) ، أي : أخذوا منهم ، وفاء لهم عما قبلهم (يَسْتَوْفُونَ) كاملا من غير نقص.
[٣] (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) ، أي : إذا أعطوا الناس حقهم ، الذي لهم عليهم ، بكيل أو وزن (يُخْسِرُونَ) ، أي : ينقصونهم ذلك إما بمكيال وميزان ناقصين ، أو بعدم ملء المكيال والميزان ، أو بغير ذلك ، فهذا سرقة لأموال الناس ، وعدم إنصاف لهم منهم. وإذا كان هذا وعيدا على الذين يبخسون الناس ، بالمكيال والميزان ، فالذي يأخذ أموالهم قهرا وسرقة ، أولى بهذا الوعيد من المطففين. ودلت الآية الكريمة ، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس ، الذي له ، يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات. بل يدخل في عموم هذا ، الحجج والمقالات ، فإنه كما أن المتناظرين ، قد جرت العادة أن كل واحد منهما ، يحرص على ما له من الحجج. فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة ، التي لا يعلمها ، وأن ينظر في أدلة خصمه ، كما ينظر في أدلته هو ، وفي هذا الموضع ، يعرف إنصاف الإنسان ، من تعصبه واعتسافه ، وتواضعه من كبره ، وعقله من سفهه ، نسأل الله التوفيق لكل خير. ثم توعد تعالى المطففين ، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه ، فقال :
[٤ ـ ٦] (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) ، فالذي جرأهم على التطفيف ، عدم إيمانهم باليوم الآخر ، وإلا فلو آمنوا به ، وعرفوا أنهم سيقومون بين يدي الله ، فيحاسبهم على القليل والكثير ، لأقلعوا عن ذلك ، وتابوا منه.
[٧] يقول تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) وهذا شامل لكل فاجر ، من أنواع الكفرة والمنافقين ، والفاسقين (لَفِي سِجِّينٍ) ، ثم فسّر ذلك بقوله :
[٨ ـ ٩] (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٩) ، أي : كتاب مذكور فيه أعمالهم الخبيثة ، والسجّين : المحل الضيق الضنك ، و «سجين» ضد «عليين» الذي هو محل كتاب الأبرار ، كما سيأتي. وقد قيل : إن «سجين» هو أسفل الأرض السابعة ، مأوى الفجار ، ومستقرهم في معادهم.
[١٠ ـ ١١] (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٠) ثم بينهم بقوله : (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) (١١) ، أي : يوم الجزاء ، يوم يدين الله الناس فيه بأعمالهم.
[١٢] (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) على محارم الله ، متعد الحلال إلى الحرام. (أَثِيمٍ) ، أي : كثير الإثم ، فهذا يحمله عدوانه على التكذيب ، ويوجب له كبره ، رد الحق ، ولهذا قال :
[١٣] (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) الدالة على الحق ، وعلى صدق ما جاءت به الرسل ، كذبها وعاندها ، (قالَ) : هذه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أي : من ترهات المتقدمين ، وأخبار الأمم الغابرين ، ليست من عند الله ، تكبّرا وعنادا. وأما من أنصف ، وكان مقصوده الحق المبين ، فإنه لا يكذب بيوم الدين ، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة ، والبراهين ، ما يجعله حق اليقين ، وصار لبصائرهم ، بمنزلة الشمس للأبصار ، بخلاف من ران على قلبه كسبه ، وغطته معاصيه ، فإنه محجوب عن الحق.