مع الأمن في الدنيا ، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب وعهد من الله ، أنهم من أهل السعادة ، وقد حكموا لأنفسهم ، أنهم أهل الهدى ، وأن المؤمنين ضالون ، افتراء على الله ، وتجرؤا على القول عليه بلا علم. قال تعالى :
[٣٣] (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) (٣٣) ، أي : وما أرسلوا وكلاء على المؤمنين ، ملزمين بحفظ أعمالهم ، حتى يحرصوا على رميهم بالضلال ، وما هذا منهم ، إلا تعنت وعناد وتلاعب ، ليس له مستند ولا برهان ، ولهذا كان جزاؤهم في الآخرة ، من جنس عملهم.
[٣٤] قال تعالى : (فَالْيَوْمَ) ، أي : يوم القيامة ، (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون ، وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون.
[٣٥] والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة (عَلَى الْأَرائِكِ) وهي السرر المزينة. (يَنْظُرُونَ) إلى ما أعد الله لهم من النعيم ، وينظرون إلى وجه ربهم الكريم.
[٣٦] (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٣٦) ، أي : هل جوزوا من جنس عملهم؟ فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ، ورموهم بالضلال ، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة ، حين رأوهم في العذاب والنكال ، الذي هو عقوبة الغي والضلال. نعم ثوبوا ما كانوا يفعلون ، عدلا من الله ، وحكمة ، والله عليم حكيم.
تفسير سورة الإنشقاق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول تعالى مبينا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) ، أي : انفطرت وتمايز بعضها من بعض ، وانتثرت نجومها ، وخسف شمسها وقمرها.
[٢] (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) ، أي : استمعت لأمره ، وألقت سمعها ، وأصاخت لخطابه. (وَحُقَّتْ) ، أي : حق لها ذلك ، فإنها مسخرة ، مدبرة ، تحت مسخر ملك عظيم لا يعصى أمره ، ولا يخالف حكمه.
[٣] (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (٣) ، أي : رجفت وارتجت ، ونسفت عليها جبالها ، ودك ما عليها من بناء ومعلم ، فسويت ، ومدها الله مد الأديم ، حتى صارت واسعة جدا ، تسع أهل الموقف على كثرتهم ، فتصير قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ، ولا أمتا.
[٤] (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الأموات والكنوز. (وَتَخَلَّتْ) منهم ، فإنه ينفخ في الصور فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض ، وتخرج الأرض كنوزها ، حتى تكون كالأسطوان العظيم ، يشاهده الخلق ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون.
[٥ ـ ٦] (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٦) أي : إنك ساع إلى الله ، وعامل بأوامره ونواهيه ، ومتقرب إليه إما بالخير ، وإما