سورة البروج
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (١) ، أي : ذات المنازل ، المشتملة على منازل الشمس والقمر ، والكواكب المنتظمة في سيرها ، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله ورحمته ، وسعة علمه وحكمته.
[٢] (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٢) وهو يوم القيامة ، الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه ، ويضم فيه أولهم وآخرهم ، وقاصيهم ودانيهم ، الذي لا يمكن أن يتغير ، ولا يخلف الله الميعاد.
[٣] (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (٣) وشمل هذا ، كل من اتصف بهذا الوصف ، أي مبصر ومبصر ، وحاضر ومحضور ، وراء ومرئي. والمقسم عليه ، ما تضمنه هذا القسم ، من آيات الله الباهرة ، وحكمه الظاهرة ، ورحمته الواسعة.
[٤] وقيل : إن المقسم عليه قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤) ، وهذا دعاء عليهم بالهلاك. و «الأخدود» : الحفر التي تحفر في الأرض. وكان أصحاب الأخدود هؤلاء ، قوما كافرين ، ولديهم قوم مؤمنون ، فراودوهم على الدخول في دينهم ، فامتنع المؤمنون من ذلك ، فشقّ الكافرون أخدودا في الأرض ، وقذفوا فيها النار ، وقعدوا حولها ، وفتنوا المؤمنين ، وعرضوهم عليها. فمن استجاب لهم أطلقوه ، ومن استمر على الإيمان ، قذفوه في النار ، وهذا غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين ، ولهذا لعنهم الله ، وأهلكهم ، وتوعدهم ، فقال : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤).
[٥ ـ ٧] ثم فسر الأخدود بقوله : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧). وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب ، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها ، ومحاربة أهلها ، وتعذيبهم بهذا العذاب ، الذي تنفطر منه القلوب.
[٨] وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها ، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا حالة يمدحون عليها ، وبها سعادتهم ، وهي : أنهم كانوا يؤمنون (بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ، أي : الذي له العزة ، التي قهر بها كل شيء ، وهو حميد في أقواله ، وأفعاله ، وأوصافه.
[٩] (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وعبيدا ، يتصرف فيهم بما شاء. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) علما وسمعا وبصرا. فهلا خاف هؤلاء المتمردون عليه ، أن يأخذهم العزيز المقتدر ، أو ما علموا كلهم أنهم مماليك لله ، ليس لأحد على أحد سلطة ، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم ، مجازيهم عليها؟ كلا إن الكافر في غرور ، والجاهل في عمى وضلال عن سواء السبيل.
[١٠] ثم أوعدهم ووعدهم ، وعرض عليهم التوبة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (١٠) ، أي : العذاب الشديد المحرق. قال الحسن رحمهالله : انظروا إلى هذا الكرم والجود ، قتلوا أولياءه وأهل طاعته ، وهو يدعوهم إلى التوبة. ولما ذكر عقوبة الظالمين ، ذكر ثواب المؤمنين ، فقال :
[١١] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بجوارحهم (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) الذي حصل