كل شيء. وهذا يدل على جلالة القرآن وجزالته ، ورفعة قدره عند الله تعالى ، والله أعلم.
سورة الطارق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول الله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) (١). ثم فسر الطارق بقوله :
[٣] (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣) ، أي : المضيء ، الذي يثقب نوره ، فيخرق السماوات ، فينفذ حتى يرى في الأرض ، والصحيح أنه اسم جنس ، يشمل سائر النجوم الثواقب. وقد قيل : إنه «زحل» الذي يخرق السماوات السبع وينفذها ، فيرى منها. وسمي طارقا ، لأنه يطرق ليلا ، والمقسم عليه قوله :
[٤] (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤) يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة ، وستجازى بعملها المحفوظ عليها.
[٥ ـ ٧] (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) (٥) ، أي : فليتدبر خلقته ومبدأه ، فإنه (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦) ، وهو المني الذي (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧) ، يحتمل أنه من بين صلب الرجل ، وترائب المرأة ، وهي ثدياها. ويحتمل أن المراد : المني الدافق ، وهو مني الرجل ، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه. ولعل هذا أولى ، فإنه إنما وصف به الماء الدافق ، الذي يحس به ويشاهد دفقه ، وهو مني الرجل. وكذلك لفظ الترائب ، فإنها تستعمل للرجل ، فإن الترائب للرجل ، بمنزلة الثديين للأنثى ، فلو أريد الأنثى ، لقيل : «من الصلب والثديين» ، ونحو ذلك ، والله أعلم.
[٨] فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق ، يخرج من هذا الموضع الصعب ، قادر على رجعه في الآخرة ، وإعادته للبعث ، والنشور والجزاء. وقد قيل : إن معناه ، أن الله على رجع الماء المدفوق ، في الصلب لقادر ، وهذا المعنى وإن كان صحيحا ، فليس هو المراد من الآية ،
[٩] ولهذا قال بعده : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩) ، أي : تختبر سرائر الصدور ، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر ، على صفحات الوجوه كما قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). ففي الدنيا ، ينكتم كثير من الأشياء ، ولا يظهر عيانا للناس ، وأما يوم القيامة ، فيظهر برّ الأبرار ، وفجور الفجار ، وتصير الأمور علانية.
[١٠] وقوله : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) ، أي : من نفسه يدفع بها (وَلا ناصِرٍ) من خارج ، ينتصر به ، فهذا القسم على العاملين ، وقت عملهم ، وعند جزائهم.
[١١ ـ ١٢] ثم أقسم قسما ثانيا ، على صحة القرآن ، فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١٢) ، أي : ترجع السماء بالمطر كل عام ، وتنصدع الأرض للنبات ، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم ، وترجع السماء أيضا بالأقدار والشؤون الإلهية ، كل وقت ، وتنصدع الأرض عن الأموات.
[١٣] (إِنَّهُ) ، أي : القرآن (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) ، أي : حق وصدق ، بيّن واضح.
[١٤] (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) (١٤) ، أي : جد ليس بالهزل ، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات ، وتنفصل به الخصومات.
[١٥] (إِنَّهُمْ) ، أي : المكذبين للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وللقرآن (يَكِيدُونَ كَيْداً) ليدفعوا بكيدهم الحق ، ويؤيدوا الباطل.
[١٦] (وَأَكِيدُ كَيْداً) (١٦)