لإظهار الحق ، ولو كره الكافرون ، ولدفع ما جاءوا به من الباطل ، ويعلم بهذا ، من الغالب ، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.
[١٧] (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (١٧) ، أي : قليلا ، فسيعلمون عاقبة أمرهم ، حين ينزل بهم العقاب. تم تفسير سورة الطارق ـ والحمد لله ربّ العالمين.
سورة الأعلى
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يأمر تعالى ، بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته ، والخضوع لجلاله ، والاستكانة لعظمته ، وأن يكون تسبيحا ، يليق بعظمة الله تعالى ، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها العظيم الجليل. وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات ، فسواها ، أي : أتقن وأحسن خلقها.
[٣] (وَالَّذِي قَدَّرَ) تقديرا ، تتبعه جميع المقدرات (فَهَدى) إلى ذلك جميع المخلوقات. وهذه هي الهداية العامة ، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته ، وتذكر فيها نعمه الدنيوية ، ولهذا قال :
[٤] (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤) ، أي : أنزل من السماء ماء ، فأنبت به أصناف النبات ، والعشب الكثير ، فرتع فيه الناس والبهائم ، وجميع الحيوانات.
[٥] ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب ، ألوى نباته ، وصوّح عشبه. (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥) ، أي : أسود ، أي : جعله هشيما رميما ، ويذكر فيها نعمه الدينية. ولهذا امتنّ بأصلها ومادتها ، وهو القرآن فقال :
[٦] (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) ، أي : سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئا. وهذه بشارة من الله كبيرة ، لعبده ، ورسوله ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، أن الله سيعلمه علما لا ينساه.
[٧] (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة ، وحكمة بالغة. (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده ، أي : فلذلك يشرع ما أراد ، ويحكم بما يريد.
[٨] (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (٨) وهذه أيضا بشارة أخرى ، أن الله ييسر رسوله صلىاللهعليهوسلم لليسرى في جميع أموره ، ويجعل شرعه ودينه يسيرا.
[٩] (فَذَكِّرْ) بشرع الله وآياته (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) ، أي : ما دامت الذكرى مقبولة ، والموعظة مسموعة ، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود ، أو بعضه. ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى ، بأن كان التذكير يزيد في الشر ، أو ينقص من الخير ، لم تكن مأمورا بها ، بل هي منهي عنها.
[١٠] فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين : منتفعون ، وغير منتفعين. فأما المنتفعون ، فقد ذكرهم بقوله : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) (١٠) الله ، فإن خشية الله تعالى ، والعلم بمجازاته على الأعمال ، توجب للعبد الانكفاف عما يكرهه الله ، والسعي في الخيرات.
[١١ ـ ١٢] وأما غير المنتفعين ، فذكرهم بقوله : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) (١٢) وهي : النار الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة.
[١٣] (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١٣) ، أي : يعذب عذابا أليما ، من غير راحة ولا استراحة ، حتى إنهم يتمنون الموت ، فلا يحصل لهم ، كما قال تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا