وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها).
[١٤] (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤) ، أي : قد فاز وربح من طهر نفسه ونقّاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق.
[١٥] (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥) ، أي : اتصف بذكر الله ، وانصبغ به قلبه ، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله ، خصوصا الصلاة ، التي هي ميزان الإيمان ، هذا معنى الآية. وأما من فسر قوله : «تزكى» يعني أخرج زكاة الفطر ، وذكر اسم ربه فصلى ، أنه صلاة العيد ، فإنه وإن كان داخلا في اللفظ ، وبعض جزئياته ، فليس هو المعنى وحده.
[١٦] (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦) ، أي : تقدمونها على الآخرة ، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل ، على الآخرة.
[١٧] (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧) : خير من الدنيا في كل وصف مطلوب ، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء ، والدنيا دار فناء. فالمؤمن العاقل ، لا يختار الأردأ على الأجود ، ولا يبيع لذة ساعة ، بترحة الأبد. فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.
[١٨ ـ ١٩] (إِنَّ هذا) المذكور لكم في هذه السورة المباركة ، من الأوامر الحسنة ، والأخبار المستحسنة (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) اللذين هما أشرف المرسلين ، بعد محمد صلّى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين. فهذه أوامر في كل شريعة ، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين ، وهي مصالح في كل زمان ومكان ، ولله الحمد. تم تفسير سورة الأعلى.
تفسير سورة الغاشية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامّة ، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها ، فيجازون بأعمالهم ، ويتميزون إلى فريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير. فأخبر عن وصف كلا الفريقين ، فقال في وصف أهل النار :
[٢] (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) ، أي : يوم القيامة (خاشِعَةٌ) من الذل والفضيحة ، والخزي.
[٣] (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٣) ، أي : تاعبة في العذاب ، تجرّ على وجوهها ، وتغشى وجوههم النار. ويحتمل أن المراد بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٣) في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل. ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان ، صار يوم القيامة هباء منثورا. وهذا الاحتمال وإن كان صحيحا ، من حيث المعنى ، فلا يدل عليه سياق الكلام ، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول ، لأنه قيده بالظرف ، وهو يوم القيامة ، ولأن المقصود هنا بيان ذكر أهل النار عموما ، وذلك الاحتمال جزء قليل بالنسبة إلى أهل النار ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند