وربما تزوج ذوات محارمه ، وحصل في مقابلة ذلك إلحاقه بغير أبيه ، وثبوت توابع ذلك ، من الإرث منه وله ، ومن جعل أقارب الملحق به ، أقارب له ، وفي ذلك من الشر والفساد ، ما لا يعلمه إلا رب العباد. ولو لم يكن في ذلك ، إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه ، وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة ، ـ وهي الزنا ـ لكفى بذلك شرا. وأما كتمان الحيض ، فإن استعجلت فأخبرت به وهي كاذبة ، ففيه من انقطاع حق الزوج عنها ، وإباحتها لغيره ، وما يتفرع عن ذلك من الشر ، كما ذكرنا ، وإن كذبت وأخبرت بعدم وجود الحيض ، لتطول العدة ، فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه ، بل هي سحت عليها محرمة من جهتين : من كونها لا تستحقه ، ومن كونها نسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة ، وربما راجعها بعد انقضاء العدة ، فيكون ذلك سفاحا ، لكونها أجنبية منه ، فلهذا قال تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). فصدور الكتمان منهن دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر ، وإلا فلو آمنّ بالله واليوم الآخر ، وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن ، لم يصدر منهن شيء من ذلك. وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة عما تخبر به عن نفسها ، من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها ، كالحمل والحيض ونحوها. ثم قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) ، أي : لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة ، أن يردوهن إلى نكاحهن (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) ، أي : رغبة وإلفة ومودة. ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح ، فليسوا بأحق بردهن ، فلا يحل لهم أن يراجعوهن ، لقصد المضارة لها ، وتطويل العدة عليها ، وهل يملك ذلك ، مع هذا القصد؟ فيه قولان. الجمهور على أنه يملك ذلك مع التحريم ، والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح ، لا يملك ذلك ، كما هو ظاهر الآية الكريمة ، وهذه حكمة أخرى في هذا التربص ، وهي : أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها ، فجعلت له هذه المدة ، ليتروى بها ويقطع نظره. وهذا يدل على محبته تعالى ، للألفة بين الزوجين ، وكراهته للفراق ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ، وهذا خاص في الطلاق الرجعي ، وأما الطلاق البائن ، فليس البعل بأحق برجعتها. بل إن تراضيا على التراجع ، فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط. ثم قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، أي : وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم ، مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين إلى المعروف ، وهو : العادة الجارية في ذلك البلد ، وذلك الزمان من مثلها لمثله ، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة ، والأحوال ، والأشخاص ، والعوائد. وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء ـ الكل يرجع إلى المعروف ، فهذا موجب العقد المطلق. وأما مع الشرط ، فعلى شرطهما ، إلا شرطا أحلّ حراما ، أو حرّم حلالا. (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ، أي : رفعة ورياسة ، وزيادة حق عليها ، كما قال تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ). ومنصب النبوة والقضاء ، والإمامة الصغرى والكبرى ، وسائر الولايات بالرجال ، وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور ، كالميراث ونحوه. (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، أي : له العزة القاهرة والسلطان العظيم ، الذي دانت له جميع الأشياء ، ولكنه ـ مع عزته ـ حكيم