[٤] (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤) ، أي : وقت سريانه ، وإرخائه ظلامه على العباد ، فيسكنون ويستريحون ، ويطمئنون ، رحمة منه تعالى وحكمة.
[٥] (هَلْ فِي ذلِكَ) المذكور (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أي : لذي عقل؟ نعم ، بعض ذلك يكفي ، لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد. يقول تعالى :
[٦ ـ ٧] (أَلَمْ تَرَ) بقلبك وبصيرتك (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) هذه الأمة الطاغية ، وهي (إِرَمَ) القبيلة المعروفة في اليمن (ذاتِ الْعِمادِ) ، أي : القوة الشديدة ، والعتو والتجبر.
[٨] (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (٨) ، أي : في جميع البلدان في القوة والشدة ، كما قال لهم نبيهم هود عليهالسلام : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
[٩] (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) (٩) ، أي : وادي القرى ، نحتوا بقوتهم الصخور ، فاتخذوها مساكن.
[١٠] (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (١٠) ، أي : ذي الجنود الذين ثبتوا ملكه ، كما تثبت الأوتاد ما يراد إمساكه بها.
[١١] (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) (١١) هذا الوصف عائد إلى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم ، فإنهم طغوا في بلاد الله ، وآذوا عباد الله ، في دينهم ودنياهم ،
[١٢] ولهذا قال : (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١٢) وهو العمل بالكفر وشعبه ، من جميع أجناس المعاصي. وسعوا في محاربة الرسل ، وصد الناس عن سبيل الله.
[١٣] فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم ، أرسل الله عليهم من عذابه سوط عذاب.
[١٤] (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤) لمن يعصيه ، يمهله قليلا ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
[١٥] يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول ، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه ، يدل على كرامته وقربه منه.
[١٦] وأنه إذا قدر (عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي : ضيّقه ، فصار يقدر قوته لا يفضل عنه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا الحسبان ، فقال :
[١٧] (كَلَّا) ، أي : ليس كل من نعّمته في الدنيا فهو كريم عليّ ، ولا كل من قدرت عليه رزقه ، فهو مهان لديّ. وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق ، ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم بالشكر والصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ومن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. وأيضا ، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط ، من ضعف الهمة ، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين ، فقال : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (١٧) الذي فقد أباه وكاسبه ، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه. فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه ، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم ، وعدم الرغبة في الخير.
[١٨] (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١٨) ، أي : لا يحض بعضكم بعضا ، على إطعام المحاويج من الفقراء والمساكين ، وذلك لأجل الشح على الدنيا ، ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب ، ولهذا قال :
[١٩] (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) ، أي : المال المخلف (أَكْلاً لَمًّا) ، أي : ذريعا ، لا تبقون على شيء منه.
[٢٠] (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠) أي : شديدا ، وهذا كقوله : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٧) ، (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) (٢١).