[١٥] (وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥) ، أي : تبعتها. وكيف يخاف من هو قاهر ، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق ، حكيم في كل ما قضاه وشرعه؟ تم تفسير سورة الشمس بحمد الله وعونه.
سورة الليل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا قسم من الله ، بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد ، على تفاوت أحوالهم ، فقال : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) ، أي : يعم الخلق بظلامه ، فيسكن إلى مأواه ومسكنه ، ويستريح العباد من الكد والتعب.
[٢] (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) (٢) للخلق ، فاستضاءوا بنوره وانتشروا في مصالحهم.
[٣] (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣) إن كانت «ما» موصولة ، كانت إقساما بنفسه الكريمة الموصوفة ، بكونه خالق الذكور والإناث ، وإن كانت مصدرية ، كان قسما بخلقه للذكر والأنثى. وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات ، التي يريد إبقاءها ذكرا وأنثى ليبقى النوع ولا يضمحل ، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة. وجعل كل منهما مناسبا للآخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
[٤] وقوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) هذا هو المقسم عليه ، أي : إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيرا ، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها ، والنشاط فيها ، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال ، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى العمل له ببقائه ، وينتفع به صاحبه ، أم هي غاية مضمحلة فانية ، فيبطل السعي ببطلانها ويضمحل باضمحلالها؟ وهذا كل عمل يقصد به غير وجه الله ، بهذا الوصف.
[٥] ولهذا فضّل الله العاملين ، ووصف أعمالهم ، فقال : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) ، أي : ما أمر به من العبادات المالية : كالزكوات ، والنفقات ، والكفارات ، والصدقات ، والإنفاق في وجوه الخير. والعبادات البدنية : كالصلاة ، والصوم غيرهما. والمركّبة من ذلك : كالحج والعمرة ونحوهما. (وَاتَّقى) ما نهي عنه ، من المحرمات والمعاصي ، على اختلاف أجناسها.
[٦] (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (٦) ، أي : صدّق ب «لا إله إلا الله» وما دلت عليه ، من العقائد الدينية ، وما ترتب عليها من الجزاء.
[٧] (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (٧) ، أي : نيسر له أمره ، ونجعله مسهلا عليه كل خير ، ميسرا له ترك كل شر ، لأنه أتى بأسباب التيسير ، فيسر الله له ذلك.
[٨] (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بما أمر به ، فترك الإنفاق الواجب والمستحب ، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله. (وَاسْتَغْنى) عن الله ، فترك عبوديته جانبا ، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها ، الذي لا نجاة لها ، ولا فوز ، ولا فلاح ، إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها ، الذي تقصده وتتوجه إليه.
[٩] (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) (٩) ، أي : بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة.
[١٠] (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (١٠) ، أي : للحالة العسرة ، والخصال الذميمة ، بأن يكون ميسرا للشر ، أينما كان ، ومقيضا له أفعال المعاصي ، نسأل الله العافية.