برسوله صلىاللهعليهوسلم ، فقال :
[٣] (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) ، أي : ما تركك منذ اعتنى بك ، ولا أهملك منذ رباك ورعاك ، بل لم يزل يربيك أكمل تربية ، ويعليك درجة بعد درجة. (وَما قَلى) ك الله ، أي : ما أبغضك ، منذ أحبك ، فإن نفي الضد ، دليل على ثبوت ضده ، والنفي المحض ، لا يكون مدحا ، إلا إذا تضمن ثبوت كمال. فهذه حال الرسول صلىاللهعليهوسلم الماضية والحاضرة ، أكمل حال وأتمها ، محبة الله له ، واستمرارها وترقيته في درجات الكمال ، ودوام اعتناء الله به.
[٤] وأما حاله المستقبلة ، فقال : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٤) ، أي : كل حالة متأخرة من أحوالك ، فإن لها الفضل على الحالة السابقة. فلم يزل صلىاللهعليهوسلم يصعد في درجات المعالي ، ويمكن الله له دينه ، وينصره على أعدائه ، ويسدده في أحواله ، حتى مات ، وقد وصل إلى حال ما وصل إليها الأولون والآخرون من الفضائل والنعم ، وقرة العين ، وسرور القلب.
[٥] ثم بعد هذا ، لا تسأل عن حاله في الآخرة ، من تفاصيل الإكرام ، وأنواع الإنعام. ولهذا قال : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥) وهذا أمر لا يمكن التعبير عنه إلا بهذه العبارة الجامعة الشاملة.
[٦] ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله الخاصة ، فقال : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) (٦) ، أي : وجدك لا أم لك ، ولا أب ، بل قد مات أبوه ، وهو لا يدبر نفسه ، فآواه الله ، وكفله جده عبد المطلب ، ثم لما مات جده ، كفّله الله عمه أبا طالب ، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين.
[٧] (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) ، أي : وجدك لا تدري ما الكتاب ، ولا الإيمان ، فعلّمك ما لم تكن تعلم ، ووفّقك لأحسن الأعمال والأخلاق.
[٨] (وَوَجَدَكَ عائِلاً) ، أي : فقيرا (فَأَغْنى) ك الله ، بما فتح عليك من البلدان ، التي جبيت لك أموالها وخراجها.
[٩] فالذي أزال عنك هذه النقائص ، سيزيل عنك كل نقص ، والذي أوصلك إلى الغنى ، وآواك ونصرك ، وهداك ، قابل نعمته بالشكران. ولهذا قال : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (٩) ، أي : لا تسيء معاملة اليتيم ، ولا يضق صدرك عليه ، ولا تنهره ، بل أكرمه ، وأعطه ما تيسر ، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.
[١٠] (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (١٠) ، أي : لا يصدر منك كلام للسائل ، يقتضي رده عن مطلوبه ، بنهر وشراسة خلق ، بل أعطه ما تيسر عندك أو ردّه بمعروف وإحسان. ويدخل في هذا : السائل للمال ، والسائل للعلم ، ولهذا كان المعلم مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم ، ومباشرته بالإكرام ، والتحنن عليه ، فإنه في ذلك معونة له على مقصده ، وإكراما لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد.
[١١] (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١) وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ، أي : أثن على الله بها ، وخصها بالذكر ، إن كان هناك مصلحة. وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث بنعمة الله ، داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن. تم تفسير سورة الضحى ـ بحمد الله وعونه.