سورة الشرح
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول تعالى ـ ممتنا على رسوله ـ : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) ، أي : نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله ، والاتصاف بمكارم الأخلاق ، والإقبال على الآخرة ، وتسهيل الخيرات. فلم يكن ضيقا حرجا ، حتى لا يكاد ينقاد لخير ، ولا تكاد تجده منبسطا.
[٢ ـ ٣] (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) (٢) ، أي : ذنبك (الَّذِي أَنْقَضَ) ، أي : أثقل (ظَهْرَكَ) كما قال تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).
[٤] (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٤) ، أي : أعلينا قدرك ، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي ، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق. فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما في الدخول في الإسلام ، وفي الأذان ، والإقامة ، والخطب ، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ، ذكر رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم. وله في قلوب أمته ، من المحبة ، والإجلال ، والتعظيم ، ما ليس لأحد غيره ، بعد الله تعالى. فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
[٥ ـ ٦] وقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٦) بشارة عظيمة ، أنه كلما وجد عسر وصعوبة ، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه ، حتى لو دخل العسر جحر ضب ، لدخل عليه اليسر ، فأخرجه كما قال تعالى : (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً). وكما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا». وتعريف «العسر» في الآيتين ، يدل على أنه واحد ، وتنكير «اليسر» يدل على تكراره ، فلن يغلب عسر يسرين. وفي تعريفه بالألف واللام ، الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر ، وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ ، فإنه في آخره التيسير ، ملازم له. ثم أمر رسوله أصلا ، والمؤمنين تبعا ، بشكره والقيام بواجب نعمه ، فقال :
[٧] (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) (٧) ، أي : إذا تفرغت من أشغالك ، ولم يبق في قلبك ما يعوقه ، فاجتهد في العبادة والدعاء.
[٨] (وَإِلى رَبِّكَ) وحده (فَارْغَبْ) ، أي : أعظم الرغبة في إجابة دعائك ، وقبول دعواتك. ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم ، وعن ذكره ، فتكون من الخاسرين. وقد قيل : إن معنى هذا : فإذا فرغت من الصلاة وأكملتها ، فانصب في الدعاء. وإلى ربك فارغب في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول ، على مشروعية الدعاء والذكر ، عقب الصلوات المكتوبات ، والله أعلم. تم تفسير سورة الشرح و «الإنشراح».