الكتاب ولا الإيمان. فجاءه جبريل عليهالسلام بالرسالة ، وأمره أن يقرأ ، فاعتذر ، وقال : «ما أنا بقارئ» فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل الله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) عموم الخلق. ثم خص الإنسان ، وذكر ابتداء خلقه (مِنْ عَلَقٍ). فالذي خلق الإنسان ، واعتنى بتدبيره ، لا بد أن يدبر بالأمر والنهي ، وذلك بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب. ولهذا أتى بعد الأمر بالقراءة ، بخلقه للإنسان.
[٣] ثم قال : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (٣) ، أي : كثير الصفات واسعها ، كثير الكرم والإحسان ، واسع الجود ، الذي من كرمه أن علم أنواع العلوم.
[٤ ـ ٥] و (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه ، لا يعلم شيئا ، وجعل له السمع والبصر والفؤاد ، ويسر له أسباب العلم. فعلمه القرآن ، وعلمه الحكمة ، وعلمه بالقلم ، الذي به تحفظ العلوم ، وتضبط الحقوق ، وتكون رسلا للناس ، تنوب مناب خطابهم. فلله الحمد والمنة ، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها ، على جزاء ولا شكور. ثم منّ عليهم بالغنى وسعة الرزق.
[١١] ولكن الإنسان ـ لجهله وظلمه ـ إذا رأى نفسه غنيا ، طغى وبغى ، وتجبر عن الهدى ، ونسي أن لربه الرجعى ، ولم يخف الجزاء ، بل ربما وصلت به الحال إلى أنه يترك الهدى بنفسه ، ويدعو غيره إلى تركه ، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان ، يقول الله لهذا المتمرد العاتي : (أَرَأَيْتَ) أيها الناهي للعبد إذا صلى (إِنْ كانَ) العبد المصلي (عَلَى الْهُدى) العلم بالحق ، والعمل به.
[١٢] (أَوْ أَمَرَ) غيره (بِالتَّقْوى). فهل يحسن أن ينهى ، من هذا وصفه؟ أليس نهيه من أعظم المحادّة لله ، والمحاربة للحق؟ فإن النهي لا يتوجه إلا ممن هو في نفسه على غير الهدى ، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى.
[١٣] (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) الناهي بالحق (وَتَوَلَّى) عن الأمر ، أما يخاف الله ، ويخشى عقابه؟ (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤) ما يعمل ويفعل؟
[١٥ ـ ١٦] ثم توعده إن استمر على حاله فقال : (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) عما يقول ويفعل (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) ، أي : لنأخذن بناصيته أخذا عنيفا ، وهي حقيقة بذلك ، فإنها (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١٦) ، أي : كاذبة في قولها ، خاطئة في فعلها.
[١٧] (فَلْيَدْعُ) هذا الذي حق عليه العذاب (نادِيَهُ) ، أي : أهل مجلسه وأصحابه ، ومن حوله ، ليعينوه على ما نزل به.
[١٨] (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨) ، أي : خزنة جهنم ، لأخذه وعقوبته. فلينظر أي الفريقين أقوى وأقدر؟ فهذه حالة الناهي ، وما توعد به من العقوبة. وأما حالة المنهي ، فأمره الله أن لا يصغي إلى هذا الناهي ، ولا ينقاد لنهيه ، فقال :
[١٩] (كَلَّا لا تُطِعْهُ) ، أي : فإنه لا يأمر إلا بما فيه الخسار. (وَاسْجُدْ) لربك (وَاقْتَرِبْ) منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات ، فإنها كلها تدني من رضاه ، وتقرب منه. وهذا عام لكل ناه عن الخير ، ولكل منهي عنه. وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل ، حين نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الصلاة ، وعذبه وآذاه. تم تفسير سورة العلق ـ والحمد لله رب العالمين.