الظلمات إلى النور ، ولهذا قال : (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) ، أي : محفوظة من قربان الشياطين ، لا يمسها إلا المطهرون ، لأنها أعلى ما يكون من الكلام.
[٣ ـ ٤] ولهذا قال عنها : (فِيها) ، أي : في تلك الصحف (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ، أي : أخبار صادقة ، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق ، وإلى صراط مستقيم. فإذا جاءتهم هذه البينة ، فحينئذ يتبين طالب الحق ، ممن ليس له مقصد في طلبه ، فيهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة. وإذا لم يؤمن أهل الكتاب بهذا الرسول ، وينقادوا له ، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم ، فإنهم ما تفرّقوا واختلفوا ، وصاروا أحزابا (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) ، التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق. ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم ، لم يزدهم الهدى إلّا ضلالا ، ولا البصيرة إلّا عمى ، مع أن الكتب كلها ، جاءت بأصل واحد ، ودين واحد.
[٥] (وَما أُمِرُوا) في سائر الشرائع (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، أي : قاصدين بجميع عباداتهم ، الظاهرة والباطنة ، وجه الله ، وطلب الزلفى لديه. (حُنَفاءَ) ، أي : معرضين مائلين عن سائر الأديان ، المخالفين لدين التوحيد. وخصّ الصلاة والزكاة بالذكر ، مع أنهما داخلان في قوله : (لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لفضلهما وشرفهما ، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما ، قام بجميع شرائع الدين. (وَذلِكَ) أن التوحيد والإخلاص في الدين ، هما (دِينُ الْقَيِّمَةِ) ، أي : الدين المستقيم ، الموصل إلى جنات النعيم ، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.
[٦] ثمّ ذكر جزاء الكافرين ، بعد ما جاءتهم البينة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ) قد أحاط بهم عذابها ، واشتد عليهم عقابها. (خالِدِينَ فِيها) لا يفتّر عنهم العذاب ، وهم فيها مبلسون. (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) لأنهم عرفوا الحقّ وتركوه ، وخسروا الدنيا والآخرة.
[٧] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧) لأنهم عبدوا الله وعرفوه ، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة.
[٨] (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) ، أي : جنات إقامة ، لا ظعن فيها ولا رحيل ، ولا طلب لغاية فوقها. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه ، ورضوا عنه ، بما أعد لهم من أنواع الكرامات. (ذلِكَ) الجزاء الحسن (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ، أي : لمن خاف الله فأحجم عن معاصيه ، وقام بما أوجب عليه. تم تفسير سورة البينة ـ بفضل الله وتوفيقه.
تفسير سورة الزلزلة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يخبر تعالى ، عما يكون يوم القيامة ، وأن الأرض تتزلزل وترجف ، وترتج ، حتى يسقط ما عليها من بناء