وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة ، فإن على الأب رزقها ، أي : نفقتها وكسوتها ، وهي الأجرة للرضاع. ودل هذا ، على أنها إذا كانت في حباله ، لا يجب لها أجرة ، غير النفقة والكسوة ، وكل بحسب حاله ، فلهذا قال : (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) ، فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني ، ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد. (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) ، أي : لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها ، إما أن تمنع من إرضاعه ، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة أو الأجرة. (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) ، بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة ، أو تطلب زيادة عن الواجب ، ونحو ذلك من أنواع الضرر. ودل قوله : (الْمَوْلُودِ لَهُ) أن الولد لأبيه ، لأنه موهوب له ، ولأنه من كسبه ، فلذلك جاز له الأخذ من ماله ، رضي أو لم يرض ، بخلاف الأم. وقوله : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) ، أي : على وارث الطفل إذا عدم الأب ، وكان الطفل ليس له مال ، مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة ، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين ، على القريب الوارث الموسر. (فَإِنْ أَرادا) ، أي : الأبوان (فِصالاً) ، أي : فطام الصبي قبل الحولين. (عَنْ تَراضٍ مِنْهُما) بأن يكونا راضيين (وَتَشاوُرٍ) فيما بينهما ، هل هو مصلحة للصبي أم لا؟ فإن كان مصلحة ورضيا (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) في فطامه قبل الحولين. فدلت الآية بمفهومها ، على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر ، أو لم يكن مصلحة للطفل ، أنه لا يجوز فطامه. وقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) ، أي : تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة ، (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ، أي : للمرضعات ، (أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، فمجازيكم على ذلك بالخير والشر.
[٢٣٤] أي : إذا توفي الزوج ، مكثت زوجته ، متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا ، والحكمة في ذلك ، ليتبين الحمل في مدة الأربعة أشهر ، ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس ، وهذا العام مخصوص بالحوامل ، فإن عدتهن بوضع الحمل ، وكذلك الأمة ، عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمسة أيام. وقوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) ، أي : انقضت عدتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) ، أي : من مراجعتها للزينة والطيب ، (بِالْمَعْرُوفِ) ، أي : على وجه غير محرم ولا مكروه. وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة ، على المتوفى عنها زوجها ، دون غيرها من المطلقات والمفارقات ، وهو مجمع عليه بين العلماء. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، أي : عالم بأعمالكم ، ظاهرها وباطنها ، جليلها وخفيها ، فمجازيكم عليها. وفي خطابه للأولياء بقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) دليل على أن الولي ينظر على المرأة ، ويمنعها مما لا يجوز فعله ، ويجبرها على ما يجب ، وأنه مخاطب بذلك ، واجب عليه.
[٢٣٥] هذا حكم المعتدة من وفاة ، أو المبانة في الحياة ، فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة ، وهو المراد بقوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) ، وأما التعريض ، فقد أسقط تعالى فيه الجناح. والفرق بينهما أن التصريح لا يحتمل غير النكاح ، فلهذا حرم ، خوفا من استعجالها ، وكذبها في انقضاء عدتها ، رغبة في النكاح ، ففيه دلالة على