عليهم ، فقد حصل لهم المحبوب ، واندفع عنهم المكروه.
[٢٦٣] ذكر الله أربع مراتب للإحسان : المرتبة العليا : النفقة الصادرة عن نية صالحة ، ولم يتبعها المنفق منا ولا أذى. ثم يليها قول المعروف ، وهو : الإحسان القولي بجميع وجوهه ، الذي فيه سرور المسلم ، والاعتذار من السائل إذا لم يوافق عنده شيئا ، وغير ذلك من أقوال المعروف. والثالثة : الإحسان بالعفو والمغفرة ، عمن أساء إليك ، بقول أو فعل. وهذان أفضل من الرابعة ، وخير منها وهي التي يتبعها المتصدق الأذى للمعطى ، لأنه كدر إحسانه وفعل خيرا وشرا. فالخير المحض ـ وإن كان مفضولا ـ خير من الخير الذي يخالطه شر ، وإن كان فاضلا ، وفي هذا التحذير العظيم لمن يؤذي من تصدق عليه ، كما فعله أهل اللؤم والحمق والجهل. (وَاللهُ) تعالى (غَنِيٌ) عن صدقاتهم ، وعن جميع عباده. (حَلِيمٌ) مع كمال غناه ، وسعة عطاياه ، يحلم عن العاصين ، ولا يعاجلهم بالعقوبة ، بل يعافيهم ويرزقهم ، ويدر عليهم خيره ، وهم مبارزون له بالمعاصي.
[٢٦٤] ثم نهى أشد النهي عن المن والأذى ، وضرب لذلك مثلا ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) الآية ، ضرب الله في هذه الآيات ثلاثة أمثلة : للمنفق ابتغاء وجهه ، ولم يتبع نفقته منا ولا أذى ، ولمن أتبعها منا وأذى ، وللمرائي.
[٢٦٥] فأما الأول ، فإنه لما كانت نفقته مقبولة مضاعفة ، لصدورها عن الإيمان والإخلاص التام (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، أي : ينفقون ، وهم ثابتون على وجه السماحة والصدق ، فمثل هذا العمل (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) ، وهو المكان المرتفع ، لأنه يتبين للرياح والشمس ، والماء فيها غزير. فإن لم يصبها ذلك الوابل الغزير ، حصل طل كاف ، لطيب منبتها ، وحسن أرضها ، وحصول جميع الأسباب الموفرة لنموها وازدهارها وإثمارها. ولهذا آتت (أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) ، أي : متضاعفا. وهذه الجنة التي على هذا الوصف ، هي أعلى ما يطلبه الناس ، فهذا العمل الفاضل بأعلى المنازل.
[٢٦٦] وأما من أنفق لله ، ثم أتبع نفقته منا وأذى ، أو عمل عملا ، فأتى بمبطل لذلك العمل ، فهذا مثله مثال صاحب هذه الجنة ، لكن سلط عليها (إِعْصارٌ) وهو الريح الشديدة (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) ، وله ذرية ضعفاء ، وهو ضعيف قد أصابه الكبر. فهذه الحال من أفظع الأحوال ، ولهذا صدر هذا المثل بقوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) ، إلى آخرها بالاستفهام المتقرر عند المخاطبين فظاعته ، فإن تلفها دفعة واحدة ، بعد زهاء أشجارها ، وإيناع ثمارها ، مصيبة كبرى. ثم حصول هذه الفاجعة ـ وصاحبها كبير قد ضعف عن العمل ، وله ذرية ضعفاء ، لا مساعدة منهم له ، ومؤنتهم عليه ـ فاجعة أخرى ، فصار صاحب هذا المثل ، الذي عمل لله ، ثم أبطل عمله بمناف له ، يشبه حال صاحب الجنة ، التي جرى عليها ما جرى ، حين اشتدت ضرورته إليها. المثل الثالث : الذي يرائي الناس ، وليس معه إيمان بالله ، ولا احتساب لثوابه ، حيث شبه قلبه بالصفوان ، وهو الحجر الأملس ، عليه تراب يظن الرائي أنه إذا أصابه المطر ، أنبت كما تنبت الأراضي الطيبة ، ولكنه كالحجر ، الذي أصابه الوابل الشديد ، فأذهب ما عليه من