تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان

الفقراء ، أفضل ما وضعت فيهم النفقات لدفع حاجتهم ، وإعانة لهم على مقصدهم وطريق الخير ، وشكرا لهم على ما اتصفوا به من الصبر ، والنظر إلى الخالق ، لا إلى الخلق.

[٢٧٤] ومع ذلك ، فالإنفاق في طرق الإحسان وعلى المحاويج حيثما كانوا ، فإنه خير وأجر ، وثواب عند الله ، ولهذا قال تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) الآية. فإن الله يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ، وإن الله ينيلهم الخيرات ويدفع عنهم الأحزان والمخاوف والكريهات. وقوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، أي : كل أحد منهم بحسب حاله. وتخصيص ذلك ، بأنه عند ربهم ، يدل على شرف هذه الحال ، ووقوعها في الموقع الأكبر ، كما في الحديث الصحيح : «إن العبد ليتصدق بالتمرة من كسب يده فيتقبلها الجبار بيده ، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم».

[٢٧٥] لما ذكر الله حالة المنفقين وما لهم من الله ، من الخيرات ، وما يكفر عنهم ، من الذنوب والخطيئات ، ذكر الظالمين أهل الربا والمعاملات الخبيثة ، وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم ، فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين ، عوقبوا في البرزخ والقيامة ، بأنهم لا يقومون من قبورهم ، أو يوم بعثهم ونشورهم (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) ، أي : من الجنون والصرع. وذلك عقوبة ، وخزي وفضيحة لهم ، وجزاء لهم على مراباتهم ومجاهرتهم بقولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ، فجمعوا ـ بجراءتهم ـ بين ما أحل الله ، وبين ما حرّم الله ، واستباحوا بذلك الربا. ثم عرض تعالى العقوبة على المرابين. وغيرهم ، فقال : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، بيان مقرون به الوعد والوعيد. (فَانْتَهى) عما كان يتعاطاه من الربا (فَلَهُ ما سَلَفَ) مما تجرأ عليه وتاب منه. (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) فيما يستقبل من زمانه ، فإن استمر على توبته ، فالله لا يضيع أجر المحسنين. (وَمَنْ عادَ) بعد بيان الله وتذكيره وتوعده لأكل الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) في هذا أن الربا موجب لدخول النار والخلود فيها ، وذلك لشناعته ، ما لم يمنع من الخلود مانع الإيمان. وهذا من جملة الأحكام التي تتوقف على وجود شرطها ، وانتفاء موانعها ، وليس فيها حجة للخوارج ، كغيرها من آيات الوعيد. فالواجب أن تصدق جميع نصوص الكتاب والسنة ، فيؤمن العبد بما تواترت به النصوص ، من خروج من في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من الإيمان ، من النار. ومن استحقاق هذه الموبقات لدخول النار ، إن لم يتب منها.

[٢٧٦] ثم أخبر تعالى أنه يمحق مكاسب المرابين ، ويربي صدقات المنفقين ، عكس ما يتبادر لأذهان كثير من الخلق ، أن الإنفاق ينقص المال وأن الربا يزيده ، فإن مادة الرزق وحصول ثمراته من الله تعالى ، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته وامتثال أمره. فالمتجرئ على الربا يعاقبه بنقيض مقصوده ، وهذا مشاهد بالتجربة ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً). (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ، وهو الذي كفر نعمة الله ، وجحد منّة ربه ، وأثم بإصراره على معاصيه. ومفهوم الآية ، أن الله يحب من كان شكورا على النعماء ، تائبا من المآثم والذنوب.

[٢٧٧] ثم أدخل هذه الآية بين آيات الربا ، وهي قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا