الفقراء ، أفضل ما وضعت فيهم النفقات لدفع حاجتهم ، وإعانة لهم على مقصدهم وطريق الخير ، وشكرا لهم على ما اتصفوا به من الصبر ، والنظر إلى الخالق ، لا إلى الخلق.
[٢٧٤] ومع ذلك ، فالإنفاق في طرق الإحسان وعلى المحاويج حيثما كانوا ، فإنه خير وأجر ، وثواب عند الله ، ولهذا قال تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) الآية. فإن الله يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ، وإن الله ينيلهم الخيرات ويدفع عنهم الأحزان والمخاوف والكريهات. وقوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، أي : كل أحد منهم بحسب حاله. وتخصيص ذلك ، بأنه عند ربهم ، يدل على شرف هذه الحال ، ووقوعها في الموقع الأكبر ، كما في الحديث الصحيح : «إن العبد ليتصدق بالتمرة من كسب يده فيتقبلها الجبار بيده ، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم».
[٢٧٥] لما ذكر الله حالة المنفقين وما لهم من الله ، من الخيرات ، وما يكفر عنهم ، من الذنوب والخطيئات ، ذكر الظالمين أهل الربا والمعاملات الخبيثة ، وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم ، فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين ، عوقبوا في البرزخ والقيامة ، بأنهم لا يقومون من قبورهم ، أو يوم بعثهم ونشورهم (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) ، أي : من الجنون والصرع. وذلك عقوبة ، وخزي وفضيحة لهم ، وجزاء لهم على مراباتهم ومجاهرتهم بقولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ، فجمعوا ـ بجراءتهم ـ بين ما أحل الله ، وبين ما حرّم الله ، واستباحوا بذلك الربا. ثم عرض تعالى العقوبة على المرابين. وغيرهم ، فقال : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، بيان مقرون به الوعد والوعيد. (فَانْتَهى) عما كان يتعاطاه من الربا (فَلَهُ ما سَلَفَ) مما تجرأ عليه وتاب منه. (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) فيما يستقبل من زمانه ، فإن استمر على توبته ، فالله لا يضيع أجر المحسنين. (وَمَنْ عادَ) بعد بيان الله وتذكيره وتوعده لأكل الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) في هذا أن الربا موجب لدخول النار والخلود فيها ، وذلك لشناعته ، ما لم يمنع من الخلود مانع الإيمان. وهذا من جملة الأحكام التي تتوقف على وجود شرطها ، وانتفاء موانعها ، وليس فيها حجة للخوارج ، كغيرها من آيات الوعيد. فالواجب أن تصدق جميع نصوص الكتاب والسنة ، فيؤمن العبد بما تواترت به النصوص ، من خروج من في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من الإيمان ، من النار. ومن استحقاق هذه الموبقات لدخول النار ، إن لم يتب منها.
[٢٧٦] ثم أخبر تعالى أنه يمحق مكاسب المرابين ، ويربي صدقات المنفقين ، عكس ما يتبادر لأذهان كثير من الخلق ، أن الإنفاق ينقص المال وأن الربا يزيده ، فإن مادة الرزق وحصول ثمراته من الله تعالى ، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته وامتثال أمره. فالمتجرئ على الربا يعاقبه بنقيض مقصوده ، وهذا مشاهد بالتجربة ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً). (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ، وهو الذي كفر نعمة الله ، وجحد منّة ربه ، وأثم بإصراره على معاصيه. ومفهوم الآية ، أن الله يحب من كان شكورا على النعماء ، تائبا من المآثم والذنوب.
[٢٧٧] ثم أدخل هذه الآية بين آيات الربا ، وهي قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا