الزَّكاةَ) ، الآية ، لبيان أن أكبر الأسباب لاجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية تكميل الإيمان وحقوقه ، خصوصا إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وإن الزكاة إحسان إلى الخلق ، ينافي تعاطي الربا ، الذي هو ظلم لهم ، وإساءة عليهم.
[٢٧٨] ثم وجه الخطاب للمؤمنين ، وأمرهم أن يتقوه ، ويذروا ما بقي من معاملات الربا ، التي كانوا يتعاطونها قبل ذلك ، وأنهم إن لم يفعلوا ذلك ، فإنهم محاربون لله ورسوله ، وهذا من أعظم ما يدل على شناعة الربا ، حيث جعل المصرّ عليه ، محاربا لله ورسوله.
[٢٧٩] ثم قال : (وَإِنْ تُبْتُمْ) يعني من المعاملات الربوية (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) الناس بأخذ الربا (وَلا تُظْلَمُونَ) ببخسكم رؤوس أموالكم. فكل من تاب من الربا ، فإن كانت معاملات سالفة ، فله ما سلف ، وأمره منظور فيه ، وإن كانت معاملات موجودة ، وجب عليه أن يقتصر على رأس ماله ، فإن أخذ زيادة ، فقد تجرأ على الربا. وفي هذه الآية ، بيان لحكمة تحريم الربا ، وأنه يتضمن الظلم للمحتاجين بأخذ الزيادة ، وتضاعف الربا عليهم ، وهو واجب إنظارهم.
[٢٨٠] ولهذا قال : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ، أي : وإن كان الذي عليه الدين معسرا ، لا يقدر على الوفاء ، وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة. وهو يجب عليه إذا حصل له وفاء بأي طريق مباح ، أن يوفي ما عليه. وإن تصدّق عليه غريمه ـ بإسقاط الدين كله أو بعضه ـ فهو خير له ، ويهون على العبد ، التزام الأمور الشرعية ، واجتناب المعاملات الربوية ، والإحسان إلى المعسرين ، علمه بأن له يوما يرجع فيه إلى الله ، ويوفيه عمله ، ولا يظلمه مثقال ذرة ، كما ختم هذه الآية بقوله :
[٢٨١] (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١).
[٢٨٢] ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) ، الآية ، احتوت هذه الآية ، على إرشاد الباري عباده في معاملاتهم إلى حفظ حقوقهم بالطرق النافعة والإصلاحات التي لا تقترح العقلاء أعلى ولا أكمل منها ، فإن فيها فوائد كثيرة. منها : جواز المعاملات في الديون ، سواء كانت ديون سلم أو شراء مؤجلا ثمنه ، فكله جائز ؛ لأن الله أخبر به عن المؤمنين ، وما أخبر به عن المؤمنين ، فإنه من مقتضيات الإيمان وقد أقرهم عليه الملك الديان. ومنها : وجوب تسمية الأجل في جميع المداينات وحلول الإجارات. ومنها : أنه إذا كان الأجل مجهولا ، فإنه لا يحل ، لأنه غرر وخطر ، فيدخل في الميسر. ومنها : أمره تعالى بكتابة الديون. وهذا الأمر قد يجب ، إذا وجب حفظ الحق ، كالذي للعبد عليه ولاية ، وكأموال اليتامى ، والأوقاف ، والوكلاء ، والأمناء ، وقد يقارب الوجوب ، كما إذا كان الحق متمحضا للعبد ، فقد يقوى الاستحباب ، بحسب الأحوال المقتضية لذلك. وعلى كل حال ، فالكتابة من أعظم ما تحفظ به هذه المعاملات المؤجلة ، لكثرة النسيان ، ولوقوع المغالطات ، وللاحتراز من الخونة الذين لا يخشون الله تعالى. ومنها : أمره تعالى للكاتب أن يكتب بين المتعاملين بالعدل ، فلا يميل مع أحدهما لقرابة ولا غيرها ، ولا على