هذه الآيات ، أثناء قصة «أحد» أنه قد تقدم أن الله تعالى ، وعد عباده المؤمنين ، أنهم ـ إذا صبروا واتقوا ـ نصرهم على أعدائهم ، وخذل الأعداء عنهم كما في قوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) ، ثم قال : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ) الآيات. فكأنّ النفوس اشتاقت إلى معرفة خصال التقوى ، التي يحصل بها النصر والفلاح ، والسعادة ، فذكر الله في هذه الآيات ، أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها ، فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى. ويدل على ما قلنا ، أن الله ذكر لفظ «التقوى» في هذه الآيات ، ثلاث مرات : مرة مطلقة وهي قوله : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، ومرتين مقيدتين ، فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ) ، (وَاتَّقُوا النَّارَ). فقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) كل ما في القرآن من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : افعلوا كذا ، أو اتركوا كذا ، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر ، واجتناب ذلك النهي ؛ لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به ، المستلزم لأعمال الجوارح. فنهاهم عن أكل الربا أضعافا مضاعفة ، وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية ، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية من أنه إذا حل الدين على المعسر ، ولم يحصل منه شيء ، قالوا له : إما أن تقضي ما عليك من الدين ، وإما أن نزيد في المدة ، وتزيد ما في ذمتك. فيضطر الفقير ، ويستدفع غريمه ، ويلتزم ذلك ، اغتناما لراحته الحاضرة ، فيزداد ـ بذلك ـ ما في ذمته أضعافا مضاعفة ، من غير نفع وانتفاع. ففي قوله : (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) تنبيه على شدة شناعته بكثرته ، وتنبيه لحكمة تحريمه ، وأن تحريم الربا ، حكمته أن الله منع منه ، لما فيه من الظلم. وذلك أن الله أوجب إنظار المعسر ، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة ، فإلزامه بما فوق ذلك ، ظلم متضاعف ، فيتعين على المؤمن المتقي ، تركه ، وعدم قربانه ، لأن تركه من موجبات التقوى. والفلاح متوقف على التقوى ، فلهذا قال : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) بترك ما يوجب دخولها ، من الكفر والمعاصي ، على اختلاف درجاتها. فإن المعاصي كلها ـ وخصوصا المعاصي الكبار ـ تجر إلى الكفر ، بل هي من خصال الكفر ، الذي أعد الله النار لأهله ، فترك المعاصي ينجي من النار ، ويقي من سخط الجبار. وأفعال الخير والطاعة ، توجب رضا الرحمن ، ودخول الجنان ، وحصول الرحمة.
[١٣٢] ولهذا قال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) ، بفعل الأوامر وامتثالها ، واجتناب النواهي (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). فطاعة الله وطاعة رسوله ، من أسباب حصول الرحمة ، كما قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ، الآيات.
[١٣٣] ثم أمرهم تعالى ، بالمسارعة إلى مغفرته ، وإدراك جنته ، التي عرضها السماوات والأرض ، فكيف بطولها ، التي أعدها الله للمتقين ، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها. ثم وصف المتقين وأعمالهم ، فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) ، أي : في عسرهم ويسرهم ، إن أيسروا أكثروا من النفقة ، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ، ولو قل. (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) ، أي : إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم ـ وهو امتلاء