والعقاب الخاص ، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول ، فكيف بغيره. أليس من أوجب الواجبات ، وأهم المهمات ، الاقتداء بأخلاقه الكريمة ، ومعاملة الناس بما كان يعاملهم به صلىاللهعليهوسلم ، من اللين وحسن الخلق والتأليف ، امتثالا لأمر الله ، وجذبا لعباد الله لدين الله. ثم أمره تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلىاللهعليهوسلم ، ويستغفر لهم في التقصير ، في حق الله ، فيجمع بين العفو والإحسان. (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، أي : الأمور التي تحتاج إلى استشارة ، ونظر ، وفكر ، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ، ما لا يمكن حصره. منها : أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله. ومنها : أن فيها تسميحا لخواطرهم ، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث ، فإن من له الأمر على الناس ـ إذا جمع أهل الرأي والفضل ، وشاورهم في حادثة من الحوادث ـ اطمأنت إليه نفوسهم وأحبوه ، وعلموا أنه ليس يستبد عليهم ، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع ، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته ، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم. بخلاف من ليس كذلك ، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ، ولا يطيعونه ، وإن أطاعوه ، فطاعة غير تامة. ومنها : أن في الاستشارة ، تنور الأفكار ، بسبب إعمالها فيما وضعت له ، فصار في ذلك زيادة للعقول. ومنها : ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب ، فإن المشاور لا يكاد يخطىء في فعله ، وإن أخطأ ، أو لم يتم له مطلوب ، فليس بملوم. فإذا كان الله يقول لرسوله صلىاللهعليهوسلم ـ وهو أكمل الناس عقلا ، وأغزرهم علما ، وأفضلهم رأيا ـ : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، فكيف بغيره. ثم قال تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ) ، أي : على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه ، إن كان يحتاج إلى استشارة ، (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ، أي : اعتمد على حول الله وقوته ، متبرئا من حولك وقوتك. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) عليه ، اللاجئين إليه.
[١٦٠] أي : إن يمددكم الله بنصره ومعونته (فَلا غالِبَ لَكُمْ) ، فلو اجتمع عليكم من في أقطارها ، وما عندهم من العدد والعدد ، لأن الله لا مغالب له ، وقد قهر العباد ، وأخذ بنواصيهم ، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه ، ولا تسكن إلا بإذنه. (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) ويكلكم إلى أنفسكم (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) ، فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق. وقد ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله ، والاعتماد عليه ، والبراءة من الحول والقوة ، ولهذا قال : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ، وتقدم المعمول يؤذن بالحصر ، أي : توكلوا على الله ، لا غيره ، لأنه قد علم أنه هو الناصر وحده ، فالاعتماد عليه توحيد محصل للمقصود. والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه ، بل ضار. وفي هذه الآية ، الأمر بالتوكل على الله وحده ، وأنه بحسب إيمان العبد ، يكون توكله.
[١٦١] الغلول هو : الكتمان من الغنيمة ، والخيانة في كل ما يتولاه الإنسان ، وهو محرم إجماعا ، بل هو من الكبائر ، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص ، فأخبر تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل ، لأن الغلول ـ كما علمت ـ من أعظم الذنوب وشر العيوب. وقد صان الله تعالى أنبياءه ، عن كل ما يدنسهم ، ويقدح فيهم ، وجعلهم أفضل العالمين أخلاقا ، وأطهرهم نفوسا ، وأزكاهم وأطيبهم ، ونزههم عن كل عيب ، وجعلهم محل رسالته ، ومعدن حكمته (اللهُ أَعْلَمُ