الله : إنكم : (قَدْ أَصَبْتُمْ) من المشركين (مِثْلَيْها) فقتلتم سبعين من كبارهم ، وأسرتم سبعين. فليهن الأمر ولتخف المصيبة عليكم ، مع أنكم لا تستوون ، أنتم وهم. فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار] (١).
[١٦٥ ـ ١٦٦] (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) ، أي : من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) حين تنازعتم ، وعصيتم ، من بعد ما أراكم ما تحبون ، فعودا على أنفسكم باللوم ، واحذروا من الأسباب المردية. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإياكم وسوء الظن بالله ، فإنه قادر على نصركم ، ولكن له أتم الحكمة ، في ابتلائكم ، ومصيبتكم. (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ). ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان ، جمع المسلمين ، وجمع المشركين في «أحد» من القتل والهزيمة ، أنه بإذنه ، وقضائه وقدره ، لا مرد له ، ولا بد من وقوعه. والأمر القدري ـ إذا نفذ ، لم يبق إلا التسليم له ، وأنه قدره ، لحكم عظيمة وفوائد جسيمة ، وأنه ليتبين بذلك ، المؤمن من المنافق ، الذين لما أمروا بالقتال.
[١٦٧] (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، أي : ذبّا عن دين الله ، وحماية له ، وطلبا لمرضاة الله ، (أَوِ ادْفَعُوا) عن محارمكم وبلدكم ، إن لم تكن لكم نية صالحة. فأبوا ذلك واعتذروا بأن (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) ، أي : لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال ، لاتبعناكم ، وهم كذبة في هذا. قد علموا وتيقنوا وعلم كل أحد ، أن هؤلاء المشركين ، قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين ، بما أصابوا منهم ، وأنهم قد بذلوا أموالهم ، وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد ، وأقبلوا في جيش عظيم ، قاصدين المؤمنين في بلدهم ، متحرقين على قتالهم. فمن كانت هذه حالهم ، كيف يتصور أنه لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة ، وبرزوا لهم ، هذا من المستحيل ، ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر ، يروج على المؤمنين. قال تعالى : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ) ، أي : في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين (أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ). وهذه خاصة المنافقين ، يظهرون بكلامهم وفعالهم ، ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم. ومنه قولهم : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) ، فإنهم علموا وقوع القتال. ويستدل بهذه الآية على قاعدة «ارتكاب أخف المفسدتين» لدفع أعلاهما ، وفعل أدنى المصلحتين ، للعجز عن أعلاهما ، لأن المنافين أمروا أن يقاتلوا للدين ، فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) فيبديه لعباده المؤمنين ، ويعاقبهم عليه.
[١٦٨] ثم قال تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) ، أي : جمعوا بين التخلف عن الجهاد ، وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره ، قال الله ردا عليهم : (قُلْ فَادْرَؤُا) ، أي : ادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أنهم لو أطاعوكم ما قتلوا ، لا تقدرون على ذلك ، ولا تستطيعونه. وفي هذه الآيات دليل على أن العبد قد يكون فيه خصلة كفر ، وخصلة إيمان ، وقد تكون إحداهما ، أقرب من الأخرى.
__________________
(١) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا ، وهو موافق للسياق.