وأمسكوه ، وضنوا به على عباد الله ، وظنوا أنه خير لهم ، بل هو شر لهم ، في دينهم ودنياهم ، وعاجلهم وآجلهم. (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : يجعل ما بخلوا به ، طوقا في أعناقهم ، يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح. «إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة ، شجاعا أقرع ، له زبيبتان ، يأخذ بلهزميه يقول : أنا مالك ، أنا كنزك». وتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصداق ذلك هذه الآية. فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم ، ومجد عليهم ، فانقلب عليهم الأمر ، وصار من أعظم مضارهم ، وسبب عقابهم. (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : هو تعالى ، مالك الملك ، وترد جميع الأملاك إلى مالكها ، وينقلب العباد من الدنيا ، ما معهم درهم ولا دينار ، ولا غير ذلك من المال. قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٤٠) ، وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب النهائي ، الموجب كل واحد ، منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله. أخبر أولا : أن الذي عنده وفي يده ، فضل من الله ونعمة ، ليس ملكا للعبد ، بل لو لا فضل الله عليه وإحسانه ، لم يصل إليه منه شيء ، فمنعه ذلك ، منع لفضل الله وإحسانه ؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده كما قال تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ). فمن تحقق أن ما بيده ، هو فضل من الله ، لم يمنع الفضل الذي لا يضره ، بل ينفعه في قلبه وماله ، وزيادة إيمانه ، وحفظه من الآفات. ثم ذكر ثانيا أن هذا الذي بيد العباد كله ، يرجع إلى الله ، ويرثه تعالى ، وهو خير الوارثين ، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك ، منتقل إلى غيرك. ثم ذكر ثالثا ، السبب الجزائي ، فقال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، فإذا كان خبيرا بأعمالكم جميعا ـ ويستلزم ذلك ، الجزاء الحسن ، على الخيرات ، والعقوبات على الشر ـ لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب ، ولا يرضى بالإمساك ، الذي به العقاب.
[١٨١ ـ ١٨٢] يخبر تعالى ، عن قول هؤلاء المتمردين ، الذين قالوا أقبح المقالة ، وأشنعها ، وأسمجها. فأخبر أنه قد سمع ما قالوه ، وأنه سيكتبه ويحفظه ، مع أفعالهم الشنيعة ، وهو : قتلهم الأنبياء الناصحين ، وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة ، وأنه يقال لهم ـ بدل قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء ـ (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة ، وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم ، فإنه (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فإنه منزه عن ذلك. وإنما (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) من المخازي والقبائح ، التي أوجبت استحقاقهم العذاب ، وحرمانهم الثواب. وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية ، نزلت في قوم من اليهود ، تكلموا بذلك ، وذكروا منهم «فنحاص بن عازوراء» من رؤساء علماء اليهود في المدينة ، وأنه لما سمع قول الله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، قال : ـ على وجه التكبر والتجرؤ ـ هذه المقالة قبحه الله. فذكرها الله عنهم ، وأخبر أنه ليس ببدع من شنائعهم ، بل قد سبق لهم من الشنائع ، ما هو نظير ذلك ، وهو : قتلهم الأنبياء بغير حق. هذا القيد يراد به ، أنهم تجرأوا على قتلهم ، مع علمهم بشناعته ، لا جهلا وضلالا ، بل تمردا وعنادا.
[١٨٣] يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين : (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) ، أي : تقدم إلينا ، وأوصى ، أن لا