ويحصل به السرور. وكذلك ، من الموجب الداعي لتقواه ، تساؤلكم به ، وتعظيمكم. حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم ، توسلتم به ، بالسؤال. فيقول من يريد ذلك لغيره : أسألك بالله ، أن تفعل الأمر الفلاني ؛ لعلمه بما قام في قلبه ، من تعظيم الله الداعي ، أن لا يرد من سأله بالله. فكما عظمتموه بذلك ، فلتعظموه بعبادته وتقواه. وكذلك الإخبار بأنه رقيب ، أي : مطلع على العباد ، في حال حركاتهم وسكونهم ، وسرهم وعلنهم ، وجميع الأحوال ، مراقبا لهم فيها ، مما يوجب مراقبته ، وشدة الحياء منه ، بلزوم تقواه. وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة ، وأنه بثهم في أقطار الأرض ، مع رجوعهم إلى أصل واحد ـ ليعطف بعضهم على بعض ، ويرقق بعضهم على بعض. وقرن الأمر بتقواه ، بالأمر ببر الأرحام ، والنهي عن قطيعتها ، ليؤكد هذا الحق. وإنه كما يلزم القيام بحق الله ، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق ، خصوصا الأقربين منهم ، بل القيام بحقوقهم ، هو من حق الله الذي أمر به. وتأمل كيف افتتح هذه السورة ، بالأمر بالتقوى ، وصلة الأرحام والأزواج عموما. ثم بعد ذلك ، فصل هذه الأمور أتم تفصيل ، من أول السورة إلى آخرها. فكأنها مبنية على هذه الأمور المذكورة ، مفصلة لما أجمل منها ، موضحة لما أبهم. وفي قوله : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) تنبيه على مراعاة حق الأزواج والزوجات والقيام به ، لكون الزوجات مخلوقات من الأزواج [فبينهم وبينهن أقرب نسب ، وأشد اتصال ، وأوثق علاقة] (١).
[٢] وقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) الآية. هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى ، الذين فقدوا آباءهم ، الكافلين لهم ، وهم صغار ضعاف ، لا يقومون بمصالحهم. فأمر الرؤوف الرحيم عباده ، أن يحسنوا إليهم ، وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي أحسن ، وأن يؤتوهم أموالهم ، إذا بلغوا ، ورشدوا ، كاملة موفرة. وأن لا (تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) الذي هو أكل مال اليتيم بغير حق. (بِالطَّيِّبِ) وهو الحلال ، الذي ما فيه حرج ولا تبعة. (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي : مع أموالكم. ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم ، بهذه الحالة ، التي هي قد استغنى بها الإنسان ، بما جعل الله له ، من الرزق في ماله. فمن تجرأ على هذه الحالة ، فقد أتى (حُوباً كَبِيراً) أي : إثما عظيما ، ووزرا جسيما. ومن استبدال الخبيث بالطيب ، أن يأخذ الولي ، من مال اليتيم ، النفيس ، ويجعل بدله من ماله ، الخسيس. وفيه الولاية على اليتيم ، لأن من لازم إيتاء اليتيم ماله ، ثبوت ولاية المؤتي على ماله. وفيه الأمر بإصلاح مال اليتيم ، لأن تمام إيتائه ماله ، حفظه ، والقيام به بما يصلحه وينميه ، وعدم تعريضه للمخاوف والأخطار.
[٣] أي : وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء ، التي تحت حجوركم وولايتكم ، وخفتم أن لا تقوموا بحقهن ، لعدم محبتكم إياهن ـ فاعدلوا إلى غيرهن ، وانكحوا (ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) أي : ما وقع عليهن اختياركم ، من ذوات الدين ، والمال ، والجمال ، والحسب ، والنسب ، وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن ، فاختاروا على نظركم. ومن أحسن ما يختار من ذلك ، صفة الدين كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولجمالها ، ولحسبها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يمينك». وفي هذه الآية ـ أنه ينبغي للإنسان ، أن يختار قبل النكاح. بل قد أباح له الشارع ، النظر إلى من يريد تزوجها ، ليكون على بصيرة من أمره. ثم ذكر العدد الذي أباحه من النساء فقال : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي : من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل ، أو ثلاثا ، فليفعل ، أو أربعا فليفعل ، ولا يزيد عليها ، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان ، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعا. وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة ، فأبيح له واحدة بعد واحدة ، حتى تبلغ أربعا ، لأن في الأربع ، غنية لكل أحد ، إلا ما ندر. ومع هذا ، فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن. فإن خاف شيئا من هذا ،
__________________
(١) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا ، وهو موافق للسياق.