فليقتصر على واحدة ، أو على ملك يمينه. فإنه لا يجب عليه القسم ، في ملك اليمين : (ذلِكَ) أي : الاقتصار على واحدة ، أو ما ملكت اليمين (أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي : تظلموا. وفي هذا ، إن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم ، وعدم القيام بالواجب ـ ولو كان مباحا ـ أنه لا ينبغي له أن يتعرض له ، بل يلزم السعة والعافية ، فإن العافية خير ما أعطي العبد.
[٤] ولما كان كثير من الناس ، يظلمون النساء ، ويهضمونهن حقوقهن ـ خصوصا الصداق ، الذي يكون شيئا كثيرا ، ودفعة واحدة ، يشق دفعه للزوجة ـ أمرهم وحثهم على إيتاء النساء (صَدُقاتِهِنَ) أي : مهورهن (نِحْلَةً) أي : عن طيب نفس ، وحال طمأنينة ، فلا تمطلوهن ، أو تبخسوا منه شيئا. وفيه : أن المهر يدفع إلى المرأة ، إذا كانت مكلفة ، وأنها تملكه ، بالعقد ، لأنه أضافه إليها ، والإضافة تقتضي التمليك. (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) أي : من الصداق (نَفْساً) بأن سمحن لكم عن رضا واختيار ، بإسقاط شيء منه ، أو تأخيره أو المعاوضة عنه. (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) أي : لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعة. وفيه دليل على أن للمرأة ، التصرف في مالها ـ ولو بالتبرع ـ إذا كانت رشيدة ، فإن لم تكن كذلك ، فليس لعطيتها حكم. وأنه ليس لوليها من الصداق شيء ، غير ما طابت به. وفي قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) دليل على أن نكاح الخبيثة ، غير مأمور به ، بل منهي عنه ، كالمشركة ، وكالفاجرة ، كما قال تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) وقال : (الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ).
[٥] السفهاء ، جمع «سفيه» وهو : من لا يحسن التصرف في المال. إما لعدم عقله ، كالمجنون والمعتوه ، ونحوهما. وإما لعدم رشده ، كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله الأولياء ، أن يؤتوا هؤلاء أموالهم ، خشية إفسادها وإتلافها. لأن الله جعل الأموال ، قياما لعباده ، في مصالح دينهم ودنياهم. وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها. فأمر الله الولي أن لا يؤتيهم إياها بل يرزقهم منها ، ويكسوهم ، ويبذل منها ، ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية ، وأن يقولوا لهم قولا معروفا ، بأن يعدوهم ـ إذا طلبوها ـ أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم ، ونحو ذلك ، ويلطفوا لهم في الأقوال ، جبرا لخواطرهم. وفي إضافته تعالى ، الأموال إلى الأولياء ، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء ، ما يفعلونه في أموالهم ، من الحفظ ، والتصرف ، وعدم التعرض للأخطار. وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه ، في مالهم ، إذا كان لهم مال ، لقوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ). وفيه دليل على أن قول الولي مقبول فيما يدعيه ، في النفقة الممكنة ، والكسوة ؛ لأن الله جعله مؤتمنا على مالهم ، فلزم قبول قول الأمين.
[٦] الابتلاء هو : الاختبار والامتحان. وذلك بأن يدفع لليتيم المقارب للرشد ، الممكن رشده ، شيئا ، من ماله ، ويتصرف فيه التصرف اللائق بحاله ، فيتبين بذلك رشده من سفهه. فإن استمر غير محسن للتصرف ، لم يدفع إليه ماله ، بل هو باق على سفهه ، ولو بلغ عمرا كثيرا. فإن تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) كاملة موفرة. (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) أي : مجاوزة للحد الحلال الذي أباحه الله لكم ، من أموالكم إلى الحرام الذي حرمه الله عليكم من أموالهم. (وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) أي : ولا تأكلوها ، في حال صغرهم ، التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم ، ولا منعكم من أكلها ، تبادرون بذلك أن يكبروا ، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من الأمور الواقعة ، من كثير من الأولياء ، الذين ليس عندهم خوف من الله ، ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم. يرون هذه الحال ، حال فرصة ، فيغتنمونها ، ويتعجلون ما حرّم الله عليهم. فنهى الله تعالى ، عن هذه الحالة بخصوصها.
[٧] كان العرب في الجاهلية ـ من جبروتهم وقسوتهم ، لا يورثون الضعفاء ، كالنساء والصبيان ، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء. لأنهم ـ بزعمهم ـ أهل الحرب والقتال ، والنهب والسلب. فأراد الرب الرحيم الحكيم ، أن يشرع لعباده شرعا ، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم ، وأقوياؤهم وضعفاؤهم. وقدّم بين يدي ذلك ، أمرا مجملا ،