لتتوطن على ذلك النفوس. فيأتي التفصيل بعد الإجمال ، قد تشوفت له النفوس ، وزالت الوحشة ، التي منشؤها ، العادات القبيحة فقال : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) أي : قسط وحصة (مِمَّا تَرَكَ) أي : خلف (الْوالِدانِ) أي : الأب والأم (وَالْأَقْرَبُونَ) عموما بعد خصوص (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ). فكأنه قيل : هل ذلك النصيب ، راجع إلى العرف والعادة ، وأن يرضخوا لهم ما يشاؤون؟ أو شيئا مقدرا؟ فقال تعالى : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي : قدره العليم الحكيم. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ تقدير ذلك. وأيضا ، فهنا توهم آخر ، لعل أحدا يتوهم أن النساء والوالدين ، ليس لهم نصيب ، إلا من المال الكثير ، فأزال ذلك بقوله : (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) فتبارك الله أحسن الحاكمين.
[٨] وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة ، الجابرة للقلوب فقال : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي : قسمة المواريث (أُولُوا الْقُرْبى) أي : الأقارب غير الوارثين ، بقرينة قوله : (الْقِسْمَةَ) لأن الوارثين من المقسوم عليهم. (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) أي : المستحقون من الفقراء. (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي : أعطوهم ما تيسر من هذا المال ، الذي جاءكم بغير كد ولا تعب ، ولا عناء ، ولا نصب ، فإن نفوسهم متشوفة إليه ، وقلوبهم متطلعة. فاجبروا خواطرهم ، بما لا يضركم ، وهو نافعهم. ويؤخذ من المعنى ، أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان ، ينبغي له أن يعطيه منه ، ما تيسر كما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه ، فليجلسه معه ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين» أو كما قال. وكان الصحابة رضي الله عنهم ـ إذا بدأت باكورة أشجارهم ـ أتوا بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبرّك عليها ، ونظر إلى أصغر وليد عنده ، فأعطاه ذلك ، علما منه بشدة تشوقه إلى ذلك ، وهذا كله ، مع إمكان الإعطاء. فإن لم يمكن ذلك ـ لكونه حق سفهاء ، أو ثم أهم من ذلك ـ فليقولوا لهم (قَوْلاً مَعْرُوفاً) يردونهم ردا جميلا ، بقول حسن ، غير فاحش ، ولا قبيح.
[٩] قيل : إن هذا خطاب لمن يحضر ، من حضره الموت وأجنف في وصيته ، أن يأمره بالعدل في وصيته ، والمساواة فيها بدليل قوله : (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) أي : سدادا ، موافقا للقسط والمعروف. وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده ، بما يحبون معاملة أولادهم بعدهم. وقيل : إن المراد بذلك ، أولياء السفهاء ، من المجانين ، والصغار ، والضعاف ، أن يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية ، بما يحبون أن يعامل به من بعدهم ، من ذريتهم الضعاف. (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) في ولايتهم لغيرهم ، أي : يعاملونهم بما فيه تقوى الله ، من عدم إهانتهم ، والقيام عليهم ، وإلزامهم لتقوى الله.
[١٠] ولما أمرهم بذلك ، زجرهم عن أكل أموال اليتامى ، وتوعد فقال : على ذلك أشد العذاب (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) أي : بغير حق. وهذا القيد ، يخرج به ما تقدم ، من جواز الأكل للفقير بالمعروف ، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى. فمن أكلها ظلما ، فإنما (يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) أي : فإن الذي أكلوه ، نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوه في بطونهم (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) أي : نارا محرقة متوقدة. وهذا أعظم