النبي صلىاللهعليهوسلم ، ابنتي سعد ، الثلثين كما في الصحيح. بقي أن يقال : فما الفائدة في قوله : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)؟ قيل : الفائدة في ذلك ـ والله أعلم ـ أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان ، لا يزيد بزيادتهن على الثنتين ، بل من الثنتين فصاعدا. ودلت الآية الكريمة ، أنه إذا وجد بنت صلب واحدة ، وبنت ابن أو بنات ابن ، فإن لبنت الصلب ، النصف ، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات ، أو بنات الابن ، السدس ، فيعطى بنت الابن ، أو بنات الابن ، ولهذا يسمى هذا السدس ، تكملة الثلثين. ومثل ذلك ، بنت الابن ، مع بنات الابن ، اللاتي أنزل منها. وتدل الآية ، أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين ، أنه يسقط من دونهن ، من بنات الابن ، لأن الله لم يفرض لهن ، إلا الثلثين ، وقد تم. فلو لم يسقطن ، لزم من ذلك أن يفرض لهن ، أزيد من الثلثين ، وهو خلاف النص. وكل هذه الأحكام ، مجمع عليها بين العلماء ، ولله الحمد. ودل قوله : (مِمَّا تَرَكَ) أن الوارثين ، يرثون كل ما خلف الميت ، من عقار ، وأثاث ، وذهب ، وفضة ، وغير ذلك ، حتى الدية ، التي لم تجب إلا بعد موته ، وحتى الديون التي في الذمة.
أحكام الأبوين في الميراث
ثم ذكر ميراث الأبوين فقال : (وَلِأَبَوَيْهِ) أي : أبوه وأمه (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) أي : ولد صلب ، أو ولد ابن ، ذكرا كان أو أنثى ، واحدا أو متعددا. فأما الأم ، فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد.
أحكام الأب في الميراث
وأما الأب ، فمع الذكور منهم ، لا يستحق أزيد من السدس. فإن كان الولد أنثى أو إناثا ، ولم يبق بعد الفرض شيء ، كأبوين وابنتين ، لم يبق له تعصيب. وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء ، أخذ الأب السدس فرضا ، والباقي تعصيبا. لأننا ألحقنا الفروض بأهلها ، فما بقي ، فلأولى رجل ذكر ، وهو أولى من الأخ والعم ، وغيرهما. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أي : والباقي للأب ، لأنه أضاف المال إلى الأب والأم ، إضافة واحدة ، ثم قدّر نصيب الأم ، فدل ذلك ، على أن الباقي للأب. وعلم من ذلك ، أن الأب ـ مع عدم الأولاد ـ لا فرض له ، بل يرث ـ تعصيبا ـ المال كله ، أو ما أبقت الفروض. ولكن لو وجد مع الأبوين ، أحد الزوجين ـ ويعبر عنهما بالعمريتين ـ فإن الزوج أو الزوجة ، يأخذ فرضه ، ثم تأخذ الأم ثلث الباقي والأب الباقي. وقد دلّ على ذلك قوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ثلث ما ورثه الأبوان. وهو في هاتين الصورتين ، إما سدس في زوج وأم وأب ، وإما ربع في زوجة ، وأم وأب. فلم تدل الآية على إرث الأم ، ثلث المال كاملا ، مع عدم الأولاد. حتى يقال : إن هاتين الصورتين ، قد استثنيتا من هذا. ويوضح ذلك ، أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة ، بمنزلة ما يأخذه الغرماء. فيكون من رأس المال ، والباقي ، بين الأبوين. ولأنا لو أعطينا الأم ثلث المال ، لزم زيادتها على الأب ، في مسألة الزوج ، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة ، زيادة عنها نصف السدس ، وهذا لا نظير له. فإن المعهود مساواتها للأب ، أو أخذه ضعف ما تأخذه الأم. (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أشقاء ، أو لأب ، أو لأم ، ذكورا أو إناثا ، وارثين ، أو محجوبين بالأب ، أو الجد. لكن قد يقال : ليس ظاهر قوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) شاملا لغير الوارثين ، بدليل عدم تناولها للمحجوب بالوصف. فعلى هذا ، لا يحجبها عن الثلث من الإخوة ، إلا الإخوة الوارثون. ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث ، لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال ، وهو معدوم. والله أعلم. ولكن يشرط كونهم اثنين فأكثر. ويشكل على ذلك ، إتيان لفظ «الإخوة» بلفظ الجمع. وأجيب عن ذلك ، بأن المقصود ، مجرد التعدد لا الجمع ، ويصدق ذلك باثنين. وقد يطلق الجمع ، ويراد به الاثنان كما في قوله تعالى عن داود وسليمان : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) وقال في الإخوة للأم : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ