قوله : (فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) أن الإخوة الأشقاء ، يسقطون في المسألة المسماة بالحمارية. وهي : زوج ، وأم ، وإخوة لأم ، وإخوة أشقاء. فللزوج النصف. وللأم السدس. وللإخوة للأم الثلث. ويسقط الأشقاء ، لأن الله أضاف الثلث للإخوة من الأم. فلو شاركهم الأشقاء ، لكان جمعا لما فرّق الله حكمه. وأيضا ، فإن الإخوة للأم ، أصحاب فروض ، والأشقاء عصبات. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي ، فلأولى رجل ذكر». وأهل الفروض هم : الذين قدّر الله أنصباءهم. ففي هذه المسألة ، لا يبقى بعدهم شيء ، فيسقط الأشقاء ، وهذا هو الصواب في ذلك. وأما ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء ، أو لأب ، فمذكور في قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) الآية. فالأخت الواحدة ، شقيقة ، أو لأب ، لها النصف. والثنتان ، لهما الثلثان. والشقيقة الواحدة مع الأخت للأب ، أو الأخوات ، تأخذ النصف والباقي من الثلثين ، للأخت ، أو الأخوات لأب ، وهو السدس ، تكملة الثلثين. وإذا استغرقت الشقيقات الثلثين ، تسقط الأخوات للأب ، كما تقدم في البنات ، وبنات الابن. وإن كان الإخوة ، رجالا ونساء ، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
حكم القاتل واختلاف دين الميت وأقربائه
فإن قيل : فهل يستفاد حكم ميراث القاتل ، والرقيق ، والمخالف في الدين ، والمبعض والخنثى ، والجد مع الإخوة لغير أم ، والعول ، والرد وذوي الأرحام ، وبقية العصبة ، والأخوات لغير أم ، مع البنات ، أو بنات الابن ، من القرآن أم لا؟ قيل : نعم ، فيه تنبيهات وإشارات دقيقة ، يعسر فهمها على غير المتأمل ، تدل على جميع المذكورات. فأما (القاتل والمخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان الحكمة الإلهية ، في توزيع المال على الورثة ، بحسب قربهم ، ونفعهم الديني والدنيوي. وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله : (لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً). وقد علم أن القاتل ، قد سعى لمورثه بأعظم الضرر ، فلا ينتهض ما فيه ، من موجب الإرث ، أن يقاوم ضرر القتل ، الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الإرث. فعلم من ذلك ، أن القتل أكبر مانع يمنع من الميراث ، ويقطع الرحم الذي قال الله فيه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية ، أن «من استعجل شيئا قبل أوانه ، عوقب بحرمانه». وبهذا نحوه ، يعرف أن المخالف لدين الموروث لا إرث له. وذلك أنه قد تعارض الموجب ، الذي هو : اتصال النسب ، الموجب للإرث ، والمانع الذي هو المخالفة في الدين ، الموجبة للمباينة من كل وجه. فقوي المانع ، ومنع موجب الإرث ، الذي هو النسب. فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك أن الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين ، أولى من حقوق الأقارب الكفار الدنيوية. فإذا مات المسلم ، انتقل ماله إلى من هو أولى وأحق به. فيكون قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) إذا اتفقت أديانهم. وأما مع تباينهم ، فالأخوة الدينية ، مقدمة على الأخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في «جلاء الأفهام» : «وتأمل هذا المعنى من آية المواريث ، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة ، دون المرأة كما في قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ). ففيه إيذان بأن التوارث ، إنما وقع بالزوجية ، المقتضية للتشاكل والتناسب. والمؤمن والكافر ، لا تشاكل بينهما ، ولا تناسب ، فلا يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات القرآن ومركباته ، فوق عقول العاقلين» انتهى.
حكم الرقيق في الميراث
وأما (الرقيق) ، فإنه لا يرث ولا يورّث. أما كونه لا يورث فواضح ، لأنه ليس له مال يورث عنه ، بل كل ما معه ، فهو لسيده. وأما كونه لا يرث ، فلأنه لا يملك ، فإنه لو ملك ، لكان لسيده ، وهو أجنبي من الميت ، فيكون مثل قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ). (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)