شبهة للخوارج ، القائلين بكفر أهل المعاصي. فإن الله تعالى رتب دخول الجنة ، على طاعته ، وطاعة رسوله. ورتب دخول النار ، على معصيته ومعصية رسوله. فمن أطاعه طاعة تامة ، دخل الجنة بلا عذاب. ومن عصى الله ورسوله ، معصية تامة ، يدخل فيها الشرك ، فما دونه ، دخل النار وخلّد فيها. ومن اجتمع فيه معصية وطاعة ، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة ، على أن الموحدين ، الذين معهم طاعة التوحيد ، غير مخلدين في النار. فما معهم من التوحيد ، مانع لهم من الخلود فيها.
[١٥] أي : النساء (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) أي : الزنا. فوصفها بالفاحشة ، لشناعتها وقبحها. (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي : من رجالكم المؤمنين العدول. (فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وأيضا ، فإن الحبس ، من جملة العقوبات. (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) أي : هذا منتهى الحبس. (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) أي : طريقا غير الحبس في البيوت. فهذه الآية ليست منسوخة ، فإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت. فكان الأمر في أول الإسلام كذلك ، حتى جعل الله لهن سبيلا ، وهو رجم المحصن والمحصنة وجلد غير المحصن والمحصنة.
[١٦] (وَ) كذلك (الَّذانِ يَأْتِيانِها) أي : الفاحشة (مِنْكُمْ) من الرجال والنساء (فَآذُوهُما) بالقول والتوبيخ والتعيير ، والضرب الرادع عن هذه الفاحشة. فعلى هذا كان الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون ، والنساء يحبسن ويؤذين. فالحبس غايته للموت ، والأذية نهايتها إلى التوبة والإصلاح. ولهذا قال : (فَإِنْ تابا) أي : رجعا عن الذنب الذي فعلاه ، وندما عليه ، وعزما أن لا يعودا (وَأَصْلَحا) العمل الدال على صدق التوبة (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي : عن أذاهما (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) أي : كثير التوبة على المذنبين الخطائين ، عظيم الرحمة والإحسان ، الذي ـ من إحسانه ـ وفقهم للتوبة ، وقبلها منهم ، وسامحهم على ما صدر منهم. ويؤخذ من هاتين الآيتين ، أن بينة الزنا ، أن تكون أربعة رجال مؤمنين. ومن باب أولى وأحرى ، اشتراط عدالتهم. لأن الله تعالى ، شدد في أمر هذه الفاحشة ، سترا لعباده. حتى إنه ، لا يقبل فيها النساء منفردات ، ولا مع الرجال ، ولا مع دون أربعة. ولا بد من التصريح بالشهادة ، كما دلت على ذلك ، الأحاديث الصحيحة وتومىء إليه هذه الآية لما قال : (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ). لم يكتف بذلك حتى قال : (فَإِنْ شَهِدُوا) أي : لا بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عيانا ، من غير تعريض ، ولا كناية. ويؤخذ منهما ، أن الأذية بالقول والفعل ، والحبس ، قد شرعه الله ، تعزيرا لجنس المعصية ، الذي يحصل به الزجر.
[١٧] توبة الله على عباده نوعان : توفيق منه للتوبة ، وقبول لها ، بعد وجودها من العبد. فأخبر هنا ـ أن التوبة المستحقة على الله ، حق أحقه على نفسه ، كرما منه وجودا ، لمن عمل السوء أي : المعاصي (بِجَهالَةٍ) أي : جهالة منه لعاقبتها ، وإيجابها لسخط الله وعقابه ، وجهل منه ، لنظر الله ومراقبته له ، وجهل منه ، بما تؤول إليه من نقص الإيمان