أو إعدامه. فكل عاص لله ، فهو جاهل بهذا الاعتبار ، وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم ، شرط لكونها معصية ، معاقبا عليها. (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) يحتمل أن يكون المعنى : ثم يتوبون قبل معاينة الموت. فإن الله يقبل توبة العبد ، إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب ، قطعا. وأما بعد حضور الموت ، فلا يقبل من العاصين توبتهم ، ولا من الكفار رجوع ، كما قال تعالى عن فرعون : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الآية. وقال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ).
[١٨] وقال هنا : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي : المعاصي فيما دون الكفر. (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً). وذلك ، أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار ، لا تنفع صاحبها. إنما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله : (مِنْ قَرِيبٍ) أي : قريب من فعلهم الذنب ، الموجب للتوبة. فيكون المعنى : من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب ، وأناب إلى الله ، وندم عليه فإن الله يتوب عليه. بخلاف من استمر على ذنبه ، وأصر على عيوبه ، حتى صارت فيه صفات راسخة ، فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة. والغالب أنه لا يوفق للتوبة ، ولا ييسر لأسبابها. كالذي يعمل السوء على علم قائم ويقين ، متهاون بنظر الله إليه ، فإنه يسد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب ، على عمد ويقين ، للتوبة النافعة ، التي يمحو بها ما سلف من سيئاته ، وما تقدم من جناياته ولكن الرحمة والتوفيق للأول ، أقرب. ولهذا ختم الآية الأولى بقوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً). فمن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها ، فيجازي كلا منهما ، بحسب ما استحق بحكمته. ومن حكمته ، أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته ، توفيقه للتوبة. ويخذل من اقتضت حكمته وعدله ، عدم توفيقه. والله أعلم.
[١٩] كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته ، رأى قريبه ، كأخيه ، وابن عمه ونحوهما ، أنه أحق بزوجته من كل أحد ، وحماها عن غيره ، أحبت أو كرهت. فإن أحبها ، تزوجها على صداق ، يحبه دونها. وإن لم يرضها ، عضلها ، فلا يزوجها إلّا من يختاره هو. وربما امتنع من تزويجها ، حتى تبذل له شيئا من ميراث قريبه ، أو من صداقها. وكان الرجل أيضا ، يعضل زوجته التي يكون يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها ، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين : إذا رضيت ، واختارت نكاح قريب زوجها الأول ، كما هو مفهوم قوله : (كَرْهاً). وإذا أتين بفاحشة مبينة ، كالزنا ، والكلام الفاحش ، وأذيتها لزوجها ، فإنه في هذه الحال ، يجوز له أن يعضلها ، عقوبة لها على فعلها ، لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل. ثم قال : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية. فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف ، من الصحبة الجميلة ، وكف الأذى ، وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، ويدخل في ذلك النفقة ، والكسوة ونحوهما. فيجب على الزوج لزوجته ، المعروف ، من مثله لمثلها ، في