الآية الكريمة ، وما عداهن فيدخل في قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ، وذلك كبنت العمة والعم ، وبنت الخال والخالة. وأما المحرمات بالرضاع ، فقد ذكر الله منهن ، الأم ، والأخت. وفي ذلك تحريم الأم مع أن اللبن ليس لها ، إنما هو لصاحب اللبن. دل بتنبيهه على أن صاحب اللبن ، يكون أبا للمرتضع. فإذا ثبتت الأبوة والأمومة ، ثبت ما هو فرع عنهما ، كإخوتهما ، وأصولهما ، وفروعهما. وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يحرم من الرضاع ، ما يحرم من النسب». فينتشر التحريم من جهة المرضعة ، ومن له اللبن ، كما ينتشر في الأقارب ، وفي الطفل المرتضع ، إلى ذريته فقط. لكن بشرط أن يكون الرضاع ، خمس رضعات في الحولين ، كما بينت السنّة. وأما المحرمات بالصهر ، فهن أربع : حلائل الآباء وإن علوا ، وحلائل الأبناء ، وإن نزلوا ، وارثين ، أو محجوبين. وأمهات الزوجة ، وإن علون. فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد. والرابعة : الربيبة ، وهي بنت زوجته وإن نزلت ، فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته كما قال هنا : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) الآية. وقد قال الجمهور : إن قوله : (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) قيد خرج بمخرج الغالب ، لا مفهوم له. فإن الربيبة تحرم ، ولو لم تكن في حجره ، ولكن للتقييد بذلك فائدتان : إحداهما : التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة ، وأنها كانت بمنزلة البنت ، فمن المستقبح إباحتها. والثانية : فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة ، وأنها بمنزلة من هي في حجره من بناته ونحوهن. والله أعلم. وأما المحرمات بالجمع ، فقد ذكر الله ، الجمع بين الأختين ، وحرمه. وحرّم النبي صلىاللهعليهوسلم الجمع بين المرأة وعمتها ، أو خالتها. فكل امرأتين بينهما رحم محرم ، لو قدر إحداهما ذكرا ، والأخرى أنثى ، حرمت عليه ، فإنه يحرم الجمع بينهما ، وذلك لما في ذلك من أسباب التقاطع بين الأرحام.
[٢٤] ومن المحرمات في النكاح (الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) أي : ذوات الأزواج. فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج ، حتى تطلق ، وتنقضي عدتها. و (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : بالسبي. فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج ، حلت للمسلمين ، بعد أن تستبرأ. وأما إذا بيعت الأمة المزوجة ، أو وهبت ، فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني ، نزل منزلة الأول ، ولقصة بريرة ، حين خيّرها النبي صلىاللهعليهوسلم. وقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : الزموه واهتدوا به ، فإن فيه الشفاء والنور ، وفيه تفصيل الحلال من الحرام. ودخل في قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) كل ما لم يذكر في هذه الآية ، فإنه حلال طيب. فالحرام محصور ، والحلال ليس له حد ولا حصر ، لطفا من الله ورحمة ، وتيسيرا للعباد. وقوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) أي : تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم ، من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم (مُحْصِنِينَ) أي : مستعفين عن الزنا ، ومعفين نساءكم. (غَيْرَ مُسافِحِينَ) والسفح : سفح الماء في الحلال والحرام ، فإن الفاعل لذلك ، لا يحصن زوجته ، لكونه وضع شهوته في الحرام ، فتضعف داعيته للحلال ، فلا يبقى محصنا لزوجته. وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف ، لقوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ). (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) أي : من تزوجتموها (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : الأجور ، في مقابلة الاستمتاع. ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته ، تقرر عليه صداقها. (فَرِيضَةً) أي : إتيانكم إياهن أجورهن ، فرض فرضه الله عليكم ، ليس بمنزلة التبرع ، الذي إن شاء أمضاه ، وإن شاء رده. أو معنى قوله فريضة : أي مقدرة قد قدرتموها ، فوجبت عليكم ، فلا تنقصوا منها شيئا. (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي : بزيادة من الزوج ، أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس ، هذا قول كثير من المفسرين. وقال كثير منهم : إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام ، ثم حرمها النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأنه يؤمر بتوقيتها ، وأجرها ، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما ، فتراضيا بعد الفريضة ، فلا حرج عليهما ، والله أعلم. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) أي : كامل العلم واسعه ، كامل الحكمة. فمن علمه وحكمته ، شرع لكم هذه الشرائع ، وحدّ لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام.