كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم : جزاءهم الحق ، ويعلمون أن الله هو الحق المبين. فأما ما ورد ، من أن الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم ، فإن ذلك يكون في بعض مواضع القيامة ، حين يظنون أن جحودهم ينفعهم من عذاب الله. فإذا عرفوا الحقائق ، وشهدت عليهم جوارحهم ، حينئذ ينجلي الأمر ، ولا يبقى للكتمان موضع ، ولا نفع ، ولا فائدة.
[٤٣] ينهى تعالى عباده المؤمنين ، أن يقربوا الصلاة ، وهم سكارى ، حتى يعلموا ما يقولون. وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة ، كالمسجد ، فإنه لا يمكن السكران من دخوله. وشامل لنفس الصلاة ، فإنه ، لا يجوز للسكران ، صلاة ، ولا عبادة ، لاختلاط عقله ، وعدم علمه بما يقول ، ولهذا حدّد تعالى ذلك وغياه إلى وجود العلم ، بما يقول السكران. وهذه الآية الكريمة ، منسوخة بتحريم الخمر مطلقا. فإن الخمر ـ في أول الأمر ـ كان غير محرّم. ثم إن الله تعالى عرض لعباده بتحريمه ، بقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما). ثم إنه تعالى ، نهاهم عن الخمر ، عند حضور الصلاة ، كما في هذه الآية. ثم إنه تعالى ، حرّمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) الآية. ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة ، لتضمنه هذه المفسدة العظيمة. بعد حصول مقصود الصلاة ، الذي هو روحها ولبها ، وهو الخشوع وحضور القلب ، فإن الخمر يسكر القلب ، ويصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة. ويؤخذ من المعنى ، منع الدخول في الصلاة ، في حال النعاس ، المفرط ، الذي لا يشعر صاحبه ، بما يقول ويفعل. بل لعل فيه إشارة ، إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة ، أن يقطع عنه كل شاغل ، يشغل فكره ، كمدافعة الأخبثين ، والتوق لطعام ونحوه ، ما ورد في ذلك الحديث الصحيح. ثم قال : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي : لا تقربوا الصلاة ، حالة كون أحدكم جنبا إلا في هذه الحال ، وهو عابر السبيل أي : تمرون في المسجد ، ولا تمكثون فيه. (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي : فإذا اغتسلتم ، فهو غاية المنع ، من قربان الصلاة للجنب. فيحل للجنب ، المرور في المسجد فقط. (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا). فأباح التيمم للمريض مطلقا ، مع وجود الماء وعدمه والعلة ، هي : المرض ، الذي يشق معه استعمال الماء ، وكذلك السفر ، فإنه مظنة فقد الماء. فإذا فقده المسافر ، ووجد ما يتعلق بحاجته ، من شرب ونحوه ، جاز له التيمم. وكذلك إذا أحدث الإنسان ، ببول أو غائط ، أو ملامسة النساء ، فإنه يباح له التيمم ، إذا لم يجد الماء ، حضرا وسفرا ، كما يدل على ذلك عموم الآية. والحاصل : أن الله تعالى أباح التيمم في حالتين : حال عدم الماء ، وهذا مطلقا في الحضر والسفر. وحال المشقة باستعماله ، بمرض ونحوه. واختلف المفسرون في معنى قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) هل المراد بذلك : الجماع ، فتكون الآية نصا في جواز التيمم للجنب ، كما تكاثرت بذلك الأحاديث الصحيحة؟ أو المراد بذلك : مجرد اللمس باليد ، ويقيد ذلك بما إذا كان مظنة خروج المذي ، وهو المس الذي يكون لشهوة ، فتكون الآية دالة على نقض الوضوء بذلك؟ واستدل الفقهاء بقوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت. قالوا : لأنه لا يقال : «لم يجد» لمن لم يطلب ، بل لا يكون ذلك إلا بعد الطلب. واستدل بذلك أيضا ، على أن الماء المتغير بشيء من الطاهرات ، يجوز ، بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) وهذا ماء. ونوزع في ذلك ، أنه ماء غير مطلق ، وفي ذلك نظر. وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم ، الذي امتن به الله على هذه الأمة ، وهو مشروعية التيمم ، وقد أجمع على ذلك العلماء ، ولله الحمد. وأن التيمم يكون بالصعيد الطيب ، وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض ، سواء كان له غبار أم لا. ويحتمل أن يختص ذلك ، بذي الغبار ، لأن الله قال في آية الوضوء من سورة المائدة الآية ٦ : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ). وما لا غبار له ، لا يمسح به. وقوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أي : منه. كما في آية (المائدة) هذا محل المسح في التيمم : الوجه جميعه ، واليدان إلى الكوعين ،