كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، ويستحب أن يكون ذلك بضربة واحدة ، كما دل على ذلك حديث عمار ، وفيه أن تيمم الجنب ، كتيمم غيره ، بالوجه واليدين.
فائدة
اعلم أن قواعد الطب ، تدور على ثلاث قواعد : حفظ الصحة عن المؤذيات ، والاستفراغ منها ، والحمية عنها. وقد نبه تعالى ، عليها في كتابه العزيز. أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي ، فقد أمر بالأكل والشرب ، وعدم الإسراف في ذلك. وأباح للمسافر والمريض الفطر ، حفظا لصحتهما ، باستعمال ما يصلح البدن ، على وجه العدل ، وحماية للمريض عمّا يضره. وأما استفراغ المؤذي ، فقد أباح تعالى للمحرم المتأذى برأسه ، أن يحلقه لإزالة الأبخرة المحتقنة فيه. ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها ، من البول ، والغائط ، والقيء ، والمني ، والدم ، وغير ذلك. نبه على ذلك ابن القيم ، رحمهالله تعالى. وفي الآية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين ، وأنه يجوز التيمم ، ولو لم يضق الوقت ، وأنه لا يخاطب بطلب الماء ، إلا بعد وجود سبب الوجوب والله أعلم. ثم ختم الآية بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) أي : كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين ، بتيسير ما أمرهم به ، وتسهيله غاية التسهيل ، بحيث لا يشق على العبد امتثاله ، فيحرج بذلك. ومن عفوه ومغفرته ، أن رحم هذه الأمة ، بشرع الطهارة بالتراب ، بدل الماء ، عند تعذر استعماله. ومن عفوه ومغفرته ، أن فتح للمذنبين باب التوبة والإنابة ، ودعاهم إليه ، ووعدهم بمغفرة ذنوبهم. ومن عفوه ومغفرته ، أن المؤمن لو أتاه بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيه لا يشرك به شيئا ، لأتاه بقرابها مغفرة.
[٤٤] هذا ذم لمن (أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) وفي ضمنه ، تحذير عباده عن الاغترار بهم ، والوقوع في أشراكهم. فأخبر أنهم ، في أنفسهم (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) أي : يحبونها محبة عظيمة ، ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير ، في طلب ما يحبه. فيؤثرون الضلال على الهدى ، والكفر على الإيمان ، والشقاء على السعادة. ومع هذا (يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ).
[٤٥] فهم حريصون على إضلالكم ، غاية الحرص ، باذلون جهدهم في ذلك. ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين ، وناصرهم ، بيّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال ولهذا قال : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) أي : يتولى أحوال عباده ، ويلطف بهم ، في جميع أمورهم ، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم. (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) ينصرهم على أعدائهم ، ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم. فولايته تعالى ، فيها حصول الخير ، ونصره ، فيه زوال الشر.
[٤٦] ثم بيّن كيفية ضلالهم وعنادهم ، وإيثارهم الباطل على الحق فقال : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي : اليهود ، وهم علماء الضلال منهم. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) إما بتغيير اللفظ أو المعنى ، أو هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم ، التي لا تنطبق ولا تصدق ، إلا على محمد صلىاللهعليهوسلم ، على أنه غير مراد بها ، ولا مقصود بها ، بل أريد بها غيره ، وكتمانهم ذلك. فهذا حالهم في العلم ، شر حال ، قلبوا فيه الحقائق ، ونزلوا الحق على