عليه العبادات ، ويزداد حمدا وشكرا لربه. ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به ، أي : ما وظف عليهم ، في كل وقت بحسبه ، فبذلوا هممهم ، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله ، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه ، ولم يكونوا بصدده ، وهذا هو الذي ينبغي للعبد ، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها ، فيكملها ، ثم يتدرج شيئا فشيئا ، حتى يصل إلى ما قدر له ، من العلم والعمل ، في أمر الدين والدنيا. وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ، ولم يؤمر به بعد ، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة ، وحصول الكسل ، وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به ، وهو أربعة أمور : أحدها الخيرية في قوله : (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي : لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم ، من أفعال الخير ، التي أمروا بها. أي : وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار ، لأن ثبوت الشيء ، يستلزم نفي ضده. الثاني حصول التثبيت والثبات وزيادته ، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان ، الذي هو القيام بما وعظوا به. فيثبتهم في الحياة الدنيا ، عند ورود الفتن في الأوامر ، والنواهي ، والمصائب. فيحصل لهم ثبات ، يوفقون به لفعل الأوامر ، وترك الزواجر ، التي تقتضي النفس فعلها ، وعند حلول المصائب ، التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا ، أو الشكر. فينزل عليه معونة من الله ، للقيام بذلك ، ويحصل له الثبات على الدين ، عند الموت وفي القبر. وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به ، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية ، حتى يألفها ، ويشتاق إليها وإلى أمثالها ، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات.
[٦٧] الثالث قوله : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) (٦٧) أي : في العاجل والآجل ، الذي يكون للروح والقلب ، والبدن ، ومن النعيم المقيم ، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
[٦٨] الرابع الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص ، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم ، من كونها متضمنة للعلم بالحق ، ومحبته وإيثاره به ، والعمل به ، وتوقف السعادة والفلاح ، على ذلك. فمن هدي إلى صراط مستقيم ، فقد وفق لكل خير ، واندفع عنه كل شر وضير.
[٦٩] أي : كل من أطاع الله ورسوله ـ على حسب حاله ، وقدر الواجب عليه ، من ذكر وأنثى وصغير وكبير.
(فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي : النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح ، والسعادة. (مِنَ النَّبِيِّينَ) الذين فضلهم الله بوحيه ، واختصهم بتفضيلهم ، بإرسالهم إلى الخلق ، ودعوتهم إلى الله تعالى. (وَالصِّدِّيقِينَ) وهم : الذين كمل تصديقهم ، بما جاءت به الرسل ، فعلموا الحق ، وصدقوه بيقينهم ، وبالقيام به ، قولا ، وعملا ، وحالا ، ودعوة إلى الله. (وَالشُّهَداءِ) الذين قاتلوا في سبيل الله ، لإعلاء كلمة الله ، فقتلوا. (وَالصَّالِحِينَ) الذين صلح ظاهرهم وباطنهم ، فصلحت أعمالهم. فكل من أطاع الله تعالى ، كان مع هؤلاء في صحبتهم. (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) بالاجتماع بهم ، في جنات النعيم ، والأنس بقربهم ، في جوار رب العالمين.
[٧٠] (ذلِكَ الْفَضْلُ) الذي نالوه (مِنَ اللهِ). فهو الذي وفقهم لذلك ، وأعانهم عليه ، وأعطاهم من الثواب ، ما لا تبلغه أعمالهم. (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) ، يعلم أحوال عباده ، ومن يستحق منهم الثواب الجزيل ، بما قام به ، من الأعمال الصالحة ، التي تواطأ عليها القلب والجوارح.
[٧١] يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب ، التي بها يستعان على قتالهم ، ويستدفع مكرهم وقوتهم ، من استعمال الحصون والخنادق ، وتعلم الرمي والركوب ، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك ، وما به يعرف مداخلهم ، ومخارجهم ، ومكرهم ، والنفير في سبيل الله. ولهذا قال :
(فَانْفِرُوا ثُباتٍ) أي : متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش ويقيم غيرهم (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً). وكل هذا ، تبع للمصلحة ، والنكاية ، والراحة للمسلمين في دينهم. وهذه الآية نظير قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).
[٧٢] ثم أخبر عن ضعفاء الإيمان المتكاسلين عن الجهاد فقال : (وَإِنَّ مِنْكُمْ) أي : أيها المؤمنون (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ)