مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام ، والسعداء والأشقياء ، والحق والباطل.
وجعله ـ برحمته ـ هدى للناس عموما ، وللمتقين خصوصا ـ من ضلال الكفر ، والمعاصي والجهل ، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم.
وأنزله شفاء للصدور ، من أمراض الشبهات والشهوات ، ويحصل به اليقين والعلم ، في المطالب العاليات ، وشفاء للأبدان من أمراضها ، وعللها ، وآلامها ، وأسقامها.
وأخبر أنه لا ريب فيه ، ولا شك ، بوجه من الوجوه ، وذلك لاشتماله على الحق العظيم ، في أخباره ، وأوامره ، ونواهيه.
وأنزله مباركا ، فيه الخير الكثير ، والعلم الغزير ، والأسرار البديعة ، والمطالب الرفيعة. فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة ، فسببها الاهتداء به واتباعه.
وأخبر أنه مصدق ومهيمن ، على الكتب السابقة. فما شهد له ، فهو الحق ، وما رده فهو المردود لأنه تضمنها وزاد عليها. وقال تعالى فيه : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ).
فهو هاد لدار السلام ، مبين لطريق الوصول إليها ، وحاث عليها ، كاشف عن الطريق الموصلة إلى دار الآلام ومحذر عنها. وقال تعالى مخبرا عنه : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).
فبين آياته أكمل تبيين ، وأتقنها أي إتقان ، وفصلها بتمييز الحق من الباطل ، والرشد من الضلال ، تفصيلا كاشفا للبس ، لكونه صادرا من حكيم خبير.
فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين ، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر. ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.
وأقسم تعالى بالقرآن ، ووصفه بأنه «مجيد» والمجيد : سعة الأوصاف وعظمتها ، وذلك لسعة معاني القرآن وعظمتها. ووصفه بأنه «ذو الذكر» أي : يتذكر به العلوم الإلهية والأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة ، ويتعظ به من يخشى.
وقال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)) ، وأنزله بهذا اللسان لنعقله ونفهمه ، وأمرنا بتدبره ، والتفكر فيه ، والاستنباط لعلومه. وما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير ، محصل للعلوم والأسرار. فلله الحمد والشكر والثناء ، على أن جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورا ، وتبصرة وتذكرة ، وعبرة وبركة ، وهدى وبشرى للمسلمين.
فإذا علم هذا ، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه والاهتداء بها.
وكان حقيقا بالعبد أن يبذل جهده ، ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.
وقد كثرت تفاسير الأئمة ، رحمهمالله ، لكتاب الله. فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود ،