الصلوات المفروضات ، لا جميعها. فإن الفجر والمغرب ، لا يقصران ، وإنما الذي يقصر ، الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين. فإذا تقرر أن القصر في السفر ، رخصة ، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا في هذ القيد ، وهو قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الذي يدل ظاهره ، أن القصر لا يجوز إلا بوجود الأمرين كليهما ، السفر مع الخوف. ويرجع حاصل اختلافهم إلى أنه هل المراد بقوله : (أَنْ تَقْصُرُوا) قصر العدد فقط؟ أو قصر العدد والصفة؟ فالإشكال ، إنما يكون على الوجه الأول. وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حتى سأل عنه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما لنا نقصر الصلاة وقد أمنا؟ أي والله يقول : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته» أو كما قال. فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به ، نظرا لغالب الحال ، التي كان النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه عليها. فإن غالب أسفاره أسفار جهاد.
وفيه فائدة أخرى ، وهي بيان الحكمة والمصلحة ، في مشروعية رخصة القصر. فبيّن في هذه الآية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة ، وهي اجتماع السفر والخوف. ولا يستلزم ذلك أن يقصر مع السفر وحده ، الذي هو مظنة المشقة. وأما على الوجه الثاني ، وهو أن المراد بالقصر : قصر العدد والصفة ، فإن القيد على بابه. فإذا وجد السفر والخوف جاز قصر العدد ، وقصر الصفة. وإذا وجد السفر وحده ، جاز قصر العدد فقط. أو الخوف وحده ، جاز قصر الصفة.
[١٠٢] ولذلك أتى بصفة صلاة الخوف بعدها بقوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أي : صليت بهم صلاة تقيمها ، وتتم ما يجب فيها ، ويلزم فعلهم ما ينبغي لك ولهم ، فعله. ثم فسّر ذلك بقوله : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) أي : وطائفة قائمة بإزاء العدو ، كما يدل على ذلك ما يأتي : (فَإِذا سَجَدُوا) أي : الّذين معك أي : أكملوا صلاتهم ، وعبّر عن الصلاة بالسجود ، ليدل على فضل السجود ، وأنه ركن من أركانها ، بل هو أعظم أركانها. (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) وهم الطائفة الّذين قاموا إزاء العدو (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ). ودل ذلك على أن الإمام يبقى بعد انصراف الطائفة الأولى ، منتظرا للطائفة الثانية ، فإذا حضروا صلّى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم ، حتى يكملوا صلاتهم ، ثم يسلم بهم ، وهذا أحد الوجوه في صلاة الخوف. فإنها صحت عن النبي صلىاللهعليهوسلم من وجوه كثيرة ، كلها جائزة. وهذه الآية ، تدل على أن صلاة الجماعة ، فرض عين من وجهين : أحدهما : أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة ، وقت اشتداد الخوف من الأعداء ، وحذر مهاجمتهم. فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة ، فإيجابها في حالة الطمأنينة والأمن ، من باب أولى وأحرى. والثاني : أن المصلين صلاة الخوف ، يتركون فيه كثيرا من الشروط واللوازم ، ويعفى فيها ، عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها ، وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة ، لأنه لا تعارض بين واجب ومستحب. فلو لا وجوب الجماعة ، لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها. وتدل الآية الكريمة على أن الأولى والأفضل ، أن يصلوا بإمام واحد. ولو تضمن ذلك الإخلال