والخسران. وهذه نعمة كبيرة ، على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، تتضمن النعمة بالعمل ، وهو : التوفيق لفعل ما يحب ، والعصمة له عن كل محرم. ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي : أنزل عليك هذا القرآن العظيم ، والذكر الحكيم ، الذي فيه تبيان كل شيء ، وعلم الأولين والآخرين. والحكمة : إما السنّة ، التي قد قال فيها بعض السلف : إن السنّة تنزل عليه ، كما ينزل القرآن. وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة ، على معرفة أحكامها ، وتنزيل الأشياء منازلها ، وترتيب كل شيء بحسبه. (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فإنه صلىاللهعليهوسلم ، كما وصفه الله قبل النبوة بقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) ، (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧). ثم لم يزل يوحي الله إليه ، ويعلمه ، ويكمله ، حتى ارتقى مقاما من العلم ، يتعذر وصوله على الأولين والآخرين. فكان أعلم الخلق على الإطلاق ، وأجمعهم لصفات الكمال ، وأكملهم فيها. ولهذا قال : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) ففضله على الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، أعظم من فضله على كل الخلق. وأجناس الفضل التي قد فضله الله به ، لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها.
[١١٤] أي : لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون. وإذا لم يكن فيه خير ، فإما لا فائدة فيه ، كفضول الكلام المباح ، وإما شر ومضرة محضة ، كالكلام المحرم بجميع أنواعه. ثم استثنى تعالى فقال : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) من مال ، أو علم ، أو أي نفع كان. بل لعله ، يدخل فيه العبادات القاصرة ، كالتسبيح ، والتحميد ، ونحوه. كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة» الحديث. (أَوْ مَعْرُوفٍ) وهو الإحسان والطاعة ، وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه. وإذا أطلق الأمر بالمعروف ، من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر ، دخل فيه النهي عن المنكر. وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف. وأيضا لا يتم فعل الخير ، إلا بترك الشر. وأما عند الاقتران ، فيفسر المعروف ، بفعل المأمور ، والمنكر ، بترك المنهي. (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) والإصلاح ، لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين. والنزاع ، والخصام ، والتغاضب ، يوجب من الشر والفرقة ، ما لا يمكن حصره. فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس ، في الدماء والأموال والأعراض. بل وفي الأديان ، كما قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا). وقال تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) الآية. وقال تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). والساعي في الإصلاح بين الناس ، أفضل من القانت بالصلاة ، والصيام ، والصدقة. والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله. كما أن الساعي في الإفساد ، لا يصلح الله عمله ، ولا يتم له مقصوده كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ). فهذه الأشياء ، حيثما فعلت ، فهي خير ، كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الأجر وتمامه ، بحسب النية والإخلاص ، ولهذا قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). فلهذا ينبغي للعبد ، أن يقصد وجه الله تعالى ، ويخلص العمل لله ، في كل وقت ، وفي كل جزء من أجزاء الخير ، ليحصل له بذلك ، الأجر العظيم ، وليتعود الإخلاص ، فيكون من المخلصين ، وليتم له الأجر ، سواء تم مقصوده أم لا ، لأن النية حصلت ، واقترن بها ، ما يمكن من العمل.
[١١٥] أي : ومن يخالف الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ويعانده فيما جاء به (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) بالدلائل القرآنية ، والبراهين النبوية. (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) وسبيلهم هو : طريقهم في عقائدهم وأعمالهم. (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) أي : نتركه وما اختاره لنفسه ، ونخذله ، فلا نوفقه للخير ، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه. فجزاؤه من الله عدلا ، أن يبقيه في ضلاله حائرا ، ويزداد ضلالا إلى ضلاله. كما قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، وقال تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ). ويدل مفهومها ، على أن من لم يشاقق الرسول ، ويتبع سبيل المؤمنين ، بأن كان قصده وجه الله ، واتباع رسوله ، ولزوم جماعة المسلمين ، ثم صدر منه ، من الذنوب أو الهم بها ، ما هو من