الإخلاص والصدق ، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات. ويقتضي أيضا ، الأمر بما لم يوجد من المؤمن ، من علوم الإيمان وأعماله. فإنه كلما وصل إليه نص ، وفهم معناه ، واعتقده ، فإن ذلك من المأمور به. وكذلك سائر الأعمال الظاهرة ، والباطنة ، كلها من الإيمان ، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، وأجمع عليه سلف الأمة. ثم الاستمرار على ذلك ، والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٢). وأمر هنا بالإيمان به ، وبرسله ، وبالقرآن ، وبالكتب المتقدمة. فهذا كله من الإيمان الواجب ، الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به ، إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله ، وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل. فمن آمن هذا الإيمان المأمور به ، فقد اهتدى وأنجح. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً). وأي ضلال أبعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم ، وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب الأليم؟ واعلم أن الكفر بشيء من هذه الأمور المذكورة ، كالكفر بجميعها ، لتلازمها ، وامتناع وجود الإيمان ببعضها ، دون بعض.
[١٣٧] ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) الآية. أي : من تكرر منه الكفر بعد الإيمان ، فاهتدى ، ثم ضل وأبصر ، ثم عمي وآمن ، ثم كفر واستمر على كفره ، وازداد منه ، فإنه بعيد من التوفيق والهداية ، لأقوم الطريق ، وبعيد عن المغفرة ، لكونه أتى بأعظم مانع يمنعه من حصولها. فإن كفره ، يكون عقوبة وطبعا ، لا يزول كما قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ). (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ). ودلت الآية : أنهم ، إن لم يزدادوا كفرا ، بل رجعوا إلى الإيمان ، وتركوا ما هم عليه من الكفران ، فإن الله يغفر لهم ، ولو تكررت منهم الردة. وإذ كان هذا الحكم في الكفر ، فغيره ـ من المعاصي التي دونه ـ من باب أولى أن العبد لو تكررت منه ، ثم عاد إلى التوبة ، عاد الله له بالمغفرة.
[١٣٨] البشارة ، تستعمل في الخير ، وتستعمل في الشر بقيد ، كما في هذه الآية. يقول تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) أي : الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ، بأقبح بشارة وأسوئها ، وهو العذاب الأليم. وذلك بسبب محبتهم الكفار ، وموالاتهم ، ونصرتهم ، وتركهم لموالاة المؤمنين. فأي شيء حملهم على ذلك؟ أيبتغون عندهم العزة؟ وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين. ساء ظنهم بالله ، وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين. ولحظوا بعض الأسباب ، التي عند الكافرين ، وقصر نظرهم عمّا وراء ذلك. فاتخذوا الكافرين أولياء ، يتعززون بهم ، ويستنصرون. والحال أن العزة لله جميعا ، فإن نواصي العباد بيده ، ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين ، ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين. وإدالة العدو عليهم ، إدالة ، غير مستمرة ، فإن العاقبة والاستقرار ، للمؤمنين. وفي هذه الآية ، الترهيب العظيم من موالاة الكافرين ؛ وترك موالاة المؤمنين ، وأن ذلك ، من صفات المنافقين. وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم ، وبغض الكافرين وعداوتهم.
[١٤٠] أي : وقد بيّن الله لكم ـ فيما أنزل عليكم ـ حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي (أَنْ إِذا