سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) أي : يستهان بها. وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله ، الإيمان بها ، وتعظيمها وإجلالها ، وتفخيمها. وهذا هو المقصود بإنزالها ، وهو الذي خلق الله الخلق لأجله. فضد الإيمان ؛ الكفر بها ، وضد تعظيمها ؛ الاستهزاء بها واحتقارها. ويدخل في ذلك ، مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم. وكذلك المبتدعون ، على اختلاف أنواعهم. فإن احتجاجهم على باطلهم ، يتضمن الاستهانة بآيات الله ، لأنها لا تدل إلا على الحق ، ولا تستلزم إلا صدقا. بل وكذلك يدخل فيه ، حضور مجالس المعاصي والفسوق ، التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه ، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي : غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. (إِنَّكُمْ إِذاً) أي : إن قعدتم معهم في الحال المذكور (مِثْلُهُمْ) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم ، والراضي بالمعصية ، كالفاعل لها. والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به ، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم ، مع القدرة ، أو القيام مع عدمها. (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) كما اجتمعوا على الكفر والموالاة. ولا ينفع المنافقين مجرد كونهم ـ في الظاهر ـ مع المؤمنين كما قال تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) إلى آخر الآيات.
[١٤١] ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ، ومعاداتهم للمؤمنين فقال : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) أي : ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها ، وتنتهون إليها ، من خير أو شر ، قد أعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم. (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ). فيظهرون أنهم مع المؤمنين ، ظاهرا وباطنا ، ليسلموا من القدح والطعن عليهم ، وليشركوهم في الغنيمة والفيء ، ولينتصروا بهم. (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) ولم يقل فتح ، لأنه لا يحصل لهم فتح ، يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة. بل غاية ما يكون ، أن يكون لهم نصيب غير مستقر ، حكمة من الله. فإذا كان ذلك (قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) أي : نستولي عليكم (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : يتصنعون عندهم ، بكف أيديهم عنهم ، مع القدرة ، ومنعهم من المؤمنين ، بجميع وجوه المنع في تنفيرهم ، وتزهيدهم في القتال ، ومظاهرة الأعداء عليهم ، وغير ذلك ، مما هو معروف منهم. (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيجازي المؤمنين ، ظاهرا وباطنا ، بالجنة ، ويعذب المنافقين والمنافقات ، والمشركين والمشركات. (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) أي : تسلطا واستيلاء عليهم. بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم. ولا يزال الله ، يحدث من أسباب النصر للمؤمنين ، ودفع تسليط الكافرين ، ما هو مشهود بالعيان. حتى إن بعض المسلمين ، الذين تحكمهم الطوائف الكافرة ، قد بقوا محترمين لا يتعرضون لأديانهم ، ولا يكونون مستصغرين عندهم. بل لهم العز التام من الله ، فلله الحمد ، أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.
[١٤٢] يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه ، من قبيح الصفات ، وشنائع السمات. وأن طريقتهم مخادعة الله ، تعالى ، أي : بما أظهروه من الإيمان ، وأبطنوه من الكفران. ظنوا أنه يروج على الله ، ولا يعلمه ، ولا يبديه لعباده ، والحال أن الله خادعهم. فمجرد وجود هذه الحال منهم ، ومشيهم عليها ، خداع لأنفسهم. وأي خداع أعظم ، ممن يسعى سعيا ، يعود عليه بالهوان والذل والحرمان؟ ويدل ـ بمجرده ـ على نقص عقل صاحبه ، حيث جمع بين المعصية ، ورآها حسنة ، وظنها من العقل والمكر. فلله ما يصنع الجهل والخذلان بصاحبه ومن خداعه لهم يوم القيامة ، ما ذكره الله في قوله : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) إلى آخر الآيات. ومن صفاتهم أنهم (إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ) التي هي أكبر الطاعات العملية ، إن قاموا (قامُوا كُسالى) متثاقلين لها ، متبرمين من فعلها. والكسل ، لا يكون إلا من فقد الرغبة من قلوبهم. فلو لا أن قلوبهم فارغة من الرغبة إلى الله ، وإلى ما عنده ، عادمة للإيمان ، لم يصدر منهم الكسل. (يُراؤُنَ النَّاسَ) أي : هذا الذي انطوت عليه سرائرهم ، وهذا مصدر