أعمالهم ، مراءاة الناس. يقصدون رؤية الناس ، وتعظيمهم ، واحترامهم ، ولا يخلصون لله. فلهذا (لا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) لامتلاء قلوبهم من الرياء. فإن ذكر الله تعالى ، وملازمته ، لا يكون إلا من مؤمن ، ممتلىء قلبه ، بمحبة الله وعظمته.
[١٤٣] (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي : مترددين ، بين فريق المؤمنين ، وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا ، ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين ، وظاهرهم للمؤمنين ، وهذا أعظم ضلال يقدر. ولهذا قال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي : لن تجد طريقا لهدايته ، ولا وسيلة لترك غوايته ، لأنه انغلق عنه باب الرحمة ، وصار بدله ، كل نقمة. فهذه الأوصاف المذمومة ، تدل ـ بتنبيهها ـ على أن المؤمنين ، متصفون بضدها ، من الصدق والإخلاص ، ظاهرا وباطنا. وأنهم لا يجهل ما عندهم ، من النشاط في صلاتهم ، وعباداتهم ، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ، ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين ، وليختر أيهما أولى به ، والله المستعان.
[١٤٤] ولما ذكر أن من صفات المنافقين ، اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، نهى عباده المؤمنين أن يتصفوا بهذه الحالة القبيحة ، وأن يشابهوا المنافقين ، فإن ذلك موجب لأن (تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي : حجة واضحة على عقوبتكم. فإنه قد أنذرنا وحذرنا منها ، وأخبرنا بما فيها من المفاسد. فسلوكها ـ بعد هذا ـ موجب للعقاب. وهذه الآية ، دليل على كمال عدل الله ، وأن الله لا يعذب أحدا ؛ قبل قيام الحجة عليه. وفيه التحذير من المعاصي ؛ فإن فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا.
[١٤٥] يخبر تعالى ، عن مآل المنافقين ، أنهم في أسفل الدركات من العذاب ، وأشر الحالات من العقاب. فهم تحت سائر الكفار ، لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ، ومعاداة رسله. وزادوا عليهم ، المكر والخديعة ، والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين ، على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك ، جريان أحكام الإسلام عليهم ، واستحقاق ما لا يستحقونه. فبذلك ونحوه ، استحقوا أشد العذاب.
[١٤٦] وليس لهم منقذ من عذابه ، ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه. وهذا عام لكل منافق ، إلا من منّ الله عليهم بالتوبة من السيئات. (وَأَصْلَحُوا) له الظواهر والبواطن (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) والتجئوا إليه ، في جلب منافعهم ، ودفع المضار عنهم. (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ) الذي هو الإسلام ، والإيمان والإحسان (لِلَّهِ). فقصدوا وجه الله ، بأعمالهم الظاهرة والباطنة ، وسلموا من الرياء والنفاق. فمن اتصف بهذه الصفات (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة. (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) لا يعلم كنهه إلا الله ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص ، بالذكر مع دخولهما في قوله : (وَأَصْلَحُوا) لأن الاعتصام والإخلاص ، من جملة الإصلاح ، لشدة الحاجة إليهما ، خصوصا في هذا المقام الحرج ، الذي تمكن فيه النفاق من القلوب. فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ، ودوام اللجأ والافتقار إليه ، في