الآيات.
[١٥١] وكذلك من كفر برسول ، فقد كفر بجميع الرسل ، بل بالرسول ، الذي يزعم أنه به مؤمن ، ولهذا قال :
(أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا). وذلك لئلا يتوهم أن مرتبتهم متوسطة ، بين الإيمان والكفر. ووجه كونهم كافرين ـ حتى بمن زعموا الإيمان به ـ أن كل دليل دلهم على الإيمان بمن آمنوا به ، موجود هو أو مثله ، أو ما هو فوقه النبي الذي كفروا به. وكل شبهة يزعمون أنهم يقدحون بها في النبي الذي كفروا به ، موجود مثلها ، أو أعظم منها ، فيمن آمنوا به. فلم يبق بعد ذلك ، إلا التشهي والهوى ، ومجرد الدعوى ، التي يمكن كل أحد أن يقابلها بمثلها. ولما ذكر أن هؤلاء هم الكافرون حقا ، ذكر عقابا شاملا لهم ، ولكل كافر فقال : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) كما تكبروا عن الإيمان بالله ، أهانهم بالعذاب الأليم المخزي.
[١٥٢] (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) وهذا يتضمن الإيمان ، بكل ما أخبر الله به عن نفسه ، وبكل ما جاءت به الرسل من الأخبار والأحكام. (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) بل آمنوا بهم كلهم. فهذا هو الإيمان الحقيقي ، واليقين المبني على البرهان. (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي : جزاء إيمانهم ، وما ترتب عليه ، من عمل صالح ، وقول حسن ، وخلق جميل ، كلّ على حسب حاله. ولعل هذا هو السر في إضافة الأجور إليهم. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر السيئات ويتقبل الحسنات.
[١٥٣] هذا السؤال الصادر من أهل الكتاب ، للرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، على وجه العناد والاقتراح ، وجعلهم هذا السؤال ، يتوقف عليه تصديقهم ، أو تكذيبهم. وهو أنهم سألوه أن ينزل عليهم القرآن جملة واحدة ، كما نزلت التوراة والإنجيل. وهذا غاية الظلم منهم ، فإن الرسول ، بشر عبد ، مدبر ليس في يده من الأمر شيء ، بل الأمر كله لله. وهو الذي يرسل وينزل ما يشاء على عباده ، كما قال تعالى عن الرسول ، لما ذكر الآيات التي فيها اقتراح المشركين عليه صلىاللهعليهوسلم ، (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً). وكذلك جعلهم الفارق ، بين الحق والباطل ، مجرد إنزال الكتاب جملة ، أو مفرقا ، مجرد دعوى ، لا دليل عليها ، ولا مناسبة ، بل ولا شبهة. فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء ، أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب ، نزل مفرقا ، فلا تؤمنوا به ، ولا تصدقوه؟ بل نزول القرآن مفرقا بحسب الأحوال ، مما يدل على عظمته ، واعتناء الله بمن أنزل عليه كما قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٣٣).
[١٥٥ ـ ١٥٦] فلما ذكر اعتراضهم الفاسد ، أخبر أنه ليس بغريب من أمرهم. بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ، ما هو أعظم مما سلكوا مع الرسول ، الذي يزعمون أنهم آمنوا به ، من سؤالهم له ، رؤية الله عيانا ، واتخاذهم العجل إلها يعبدونه ، من بعد ما رأوا من الآيات بأبصارهم ، ما لم يره غيرهم. ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم ، وهو التوراة ، حتى رفع الطور من فوق رؤوسهم ، وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا ، أسقط عليهم ، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض ، والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري.