[١٥٧ ـ ١٥٨] ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية ، التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين ، فخالفوا القول والفعل. ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت ، فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة. وبأخذ الميثاق الغليظ عليهم ، فنبذوه وراء ظهورهم ، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا رسله بغير حق. ومن قولهم : إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه. والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه ، بل شبه لهم غيره ، فقتلوا غيره وصلبوه. وادعائهم أن قلوبهم غلف ، لا تفقه ما تقول لهم ، ولا تفهمه. وبصدهم الناس عن سبيل الله ، فصدوهم عن الحق ، ودعوتهم إلى ما هم عليه من الضلال والغي. وبأخذهم السحت ، والربا ، مع نهي الله لهم عنه ، والتشديد فيه. فالذين فعلوا هذه الأفاعيل ، لا يستنكر عليهم أن يسألوا الرسول محمدا ، أن ينزل عليهم كتابا من السماء. وهذه الطريقة ، من أحسن الطرق ، لمحاجة الخصم المبطل. وهو : أنه إذا صدر منه من الاعتراض الباطل ، ما جعله شبهة له ولغيره ، في رد الحق ، أن يبين من حاله الخبيثة ، وأفعاله الشنيعة ، ما هو من أقبح ما صدر منه ، ليعلم كل أحد أن هذا الاعتراض من ذلك الوادي الخسيس ، وأن له مقدمات يجعل هذا معها. وكذلك كل اعتراض يعترضون به ، على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، يمكن أن يقابل بمثله ، أو ما هو أقوى منه ، في نبوة من يدعون إيمانهم به ، ليكتفى بذلك شرهم ، وينقمع باطلهم. وكل حجة سلكوها ، في تقريرهم لنبوة من آمنوا به ، فإنها ونظيرها ، وما هو أقوى منها ، دالة ومقررة لنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. ولما كان المراد من تعديد ما عدد الله من قبائحهم هذه المقابلة ، لم يبسطها في هذا الموضع ، بل أشار إليها ، وأحال على مواضعها ، وقد بسطها في غير هذا الموضع في المحل اللائق ببسطها.
[١٥٩] وقوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ). يحتمل أن الضمير هنا في قوله : (قَبْلَ مَوْتِهِ) يعود إلى أهل الكتاب. فيكون ـ على هذا ـ كل كتابي يحضره الموت ، ويعاين الأمر حقيقة ، فإنه يؤمن بعيسى عليهالسلام ، ولكنه إيمان لا ينفع ، لأنه إيمان اضطرار. فيكون مضمون هذا التهديد لهم والوعيد ، أن لا يستمروا على هذه الحال ، التي سيندمون عليها قبل مماتهم فكيف يكون حالهم يوم حشرهم وقيامهم؟ ويحتمل أن الضمير في قوله : (قَبْلَ مَوْتِهِ) راجع إلى عيسى عليهالسلام. فيكون المعنى : وما من أحد من أهل الكتاب ، إلا ليؤمنن بالمسيح عليهالسلام قبل موت المسيح ، وذلك يكون عند اقتراب الساعة ، وظهور علاماتها الكبار. فإنها تكاثرت الأحاديث في نزوله عليهالسلام في آخر هذه الأمة. يقتل الدجال ، ويضع الجزية ، ويؤمن به أهل الكتاب مع المؤمنين. ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا ، يشهد عليهم بأعمالهم ، وهل هي موافقة لشرع الله أم لا؟ وحينئذ لا يشهد إلا ببطلان كل ما هم عليه ، مما هو مخالف لشريعة القرآن ولما دعاهم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم ، علمنا بذلك ، لعلمنا بكمال عدالة المسيح عليهالسلام ، وصدقه ، وأنه لا يشهد إلا بالحق. إلّا أن ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، هو الحق ، وما عداه ، فهو ضلال وباطل.
[١٦٠ ـ ١٦١] ثم أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب ، كثيرا من الطيبات ، التي كانت حلالا عليهم. وهذا تحريم عقوبة ، بسبب ظلمهم واعتدائهم ، وصدهم الناس عن سبيل الله ، ومنعهم إياهم من الهدى ، وبأخذهم الربا ،