والحمق؟ وهذا فيه من التهييج على عداوتهم ، ما هو معلوم لكل من له أدنى مفهوم.
[٥٩] أي : (قُلْ) يا أيها الرسول (يا أَهْلَ الْكِتابِ) ملزما لهم. إن دين الإسلام هو الدين الحق ، وإن قدحهم فيه ، قدح بأمر ينبغي المدح عليه : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) أي : هل لنا من العيب ، إلا إيماننا بالله ، وبكتبه السابقة واللاحقة ، وبأنبيائه المتقدمين والمتأخرين ، وبأننا نجزم أن من لم يؤمن كهذا الإيمان ، فإنه كافر فاسق؟ فهل تنقمون منا ، إلا أن نؤمن بهذا الذي هو أوجب الواجبات على جميع المكلفين؟ ومع هذا ، فأكثرهم فاسقون ، أي : خارجون عن طاعة الله متجرئون على معاصيه فأولى لكم ـ أيها الفاسقون ـ السكوت. فلو كان عيبكم ، وأنتم سالمون من الفسق ، وهيهات ذلك ـ لكان الشر أخف من قدحكم فينا مع فسقكم. ولما كان قدحهم في المؤمنين ، يقتضي أنهم يعتقدون أنهم على شر ، قال تعالى : (قُلْ) لهم ، مخبرا عن شناعة ما كانوا عليه : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) الذي نقمتم فيه علينا ، مع التنزل معكم. (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) أي : أبعده عن رحمته (وَغَضِبَ عَلَيْهِ) وعاقبه في الدنيا والآخرة (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) وهو الشيطان ، وكل ما عبد من دون الله ، فهو طاغوت. (أُولئِكَ) المذكورون بهذه الخصال القبيحة (شَرٌّ مَكاناً) من المؤمنين الذين رحمة الله قريب منهم ، ورضي الله عنهم ، وأثابهم في الدنيا والآخرة ، لأنهم أخلصوا له الدين. وهذا النوع ، من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه. وكذلك قوله : (وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) أي : وأبعد عن قصد السبيل.
[٦١] (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) نفاقا ومكرا (وَ) هم (قَدْ دَخَلُوا) مشتملين (بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) فمدخلهم ومخرجهم ، بالكفر ـ وهم يزعمون أنهم مؤمنون. فهل أشر من هؤلاء ، وأقبح حالا منهم؟ (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) فيجازيهم بأعمالهم ، خيرها وشرها.
[٦٢] ثم استمر تعالى ، يعدد معايبهم ، انتصارا لقدحهم في عباده المؤمنين فقال : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) أي : من اليهود (يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) أي : يحرصون ، ويبادرون المعاصي المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين. (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) الذي هو الحرام. فلم يكتف بمجرد الإخبار أنهم يفعلون ذلك ، حتى أخبر أنهم يسارعون فيه. وهذا يدل على خبثهم وشرهم ، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا ، وهم يدعون لأنفسهم ، المقامات العالية. (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وهذا في غاية الذم لهم ، والقدح فيهم.
[٦٣] (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) أي : هلا ينهاهم العلماء ، المتصدون لنفع الناس ، الذين منّ الله عليهم بالعلم والحكمة ـ عن المعاصي التي تصدر منهم ، ليزول ما عندهم من الجهل ، وتقوم حجة الله عليهم. فإن العلماء ، عليهم أمر الناس ونهيهم ، وأن يبينوا لهم الطريق الشرعي ، ويرغبون في الخير : ويرهبوهم من الشر (لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ).
[٦٤] يخبر تعالى ، عن مقالة اليهود الشنيعة ، وعقيدتهم الفظيعة ، فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) أي : عن