وهذا من كرمه وجوده ، حيث لما ذكر قبائح أهل الكتاب ومعايبهم ، وأقوالهم الباطلة ، دعاهم إلى التوبة ، وأنهم لو آمنوا بالله وملائكته وجميع كتبه ، وجميع رسله ، واتقوا المعاصي ، لكفّر عنهم سيئاتهم ، ولو كانت ما كانت ، ولأدخلهم جنات النعيم ، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
[٦٦] (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) أي : قاموا بأوامرها ، كما ندبهم الله وحثهم. ومن إقامتهما الإيمان بما دعوا إليه ، من الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن. فلو قاموا بهذه النعمة العظيمة ، التي أنزلها ربهم إليهم ، أي : لأجلهم وللاعتناء بهم (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي : لأدرّ الله عليهم الرزق ، ولأمطر عليهم السماء ، وأنبت لهم الأرض كما قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ). (مِنْهُمْ) أي : من أهل الكتاب (أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أي : عاملة بالتوراة والإنجيل ، عملا غير قوي ولا نشيط. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي : والمسيء منهم الكثير. وأما السابقون منهم ، فقليل ما هم.
[٦٧] هذا أمر من الله لرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، بأعظم الأوامر وأجلها ، وهو : التبليغ لما أنزل الله إليه. ويدخل في هذا ، كل أمر تلقته الأمة عنه صلىاللهعليهوسلم ، من العقائد ، والأعمال ، والأقوال ، والأحكام الشرعية ، والمطالب الإلهية. فبلغ صلىاللهعليهوسلم أكمل تبليغ ، ودعا ، وأنذر ، وبشّر ، ويسّر ، وعلّم الجهال الأميين ، حتى صاروا من العلماء الربانيين. وبلّغ ، بقوله ، وفعله ، وكتبه ، ورسله. فلم يبق خير إلا دلّ أمته عليه ، ولا شر إلا حذرها عنه ، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة ، من الصحابة ، فمن بعدهم من أئمة الدين ، ورجال المسلمين. (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) أي : لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) أي : فما امتثلت أمره. (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) هذه حماية وعصمة من الله ، لرسوله من الناس ، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهم بيد الله ، وقد تكفل بعصمتك ، فأنت إنما عليك البلاغ المبين ، فمن اهتدى ، فلنفسه. وأما الكافرون الّذين لا قصد لهم إلا اتباع أهوائهم فإن الله لا يهديهم ، ولا يوفقهم للخير ، بسبب كفرهم.
[٦٨] أي : قل لأهل الكتاب ـ مناديا على ضلالهم ، ومعلنا بباطلهم : (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) من الأمور الدينية ، فإنكم ، لا بالقرآن ومحمد آمنتم ، ولا بنبيكم وكتابكم صدقتم ، ولا بحق تمسكتم ، ولا على أصل اعتمدتم. (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي : تجعلوهما قائمين بالإيمان بهما واتباعهما ، والتمسك بكل ما يدعوان إليه. (وَ) تقيموا (ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) الذي رباكم ، وأنعم عليكم ، وجعل أجلّ إنعامه ، إنزال الكتب إليكم ، فالواجب عليكم ، أن تقوموا بشكر الله ، وتلتزموا أحكام الله ، وتقوموا بما حملتم من أمانة الله وعهده. (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
[٦٩] يخبر تعالى عن أهل الكتاب ، من أهل القرآن والتوراة والإنجيل ، أن سعادتهم ونجاتهم ، في طريق واحد ، وأصل واحد ، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر ، والعمل الصالح. فمن آمن منهم بالله واليوم الآخر ، وعمل صالحا ،