[٧٩] ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات ، وأوقعت بهم العقوبات أنهم : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) أي : كانوا يفعلون المنكر ، ولا ينهى بعضهم بعضا. فيشترك بذلك المباشر وغيره ، الذي سكت عن النهي عن المنكر ، مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله ، وأن معصيته خفيفة عليهم. فلو كان لديهم تعظيم لربهم ، لغاروا لمحارمه ، ولغضبوا لغضبه. وإنما كان السكوت عن المنكر ـ مع القدرة ـ موجبا للعقوبة ، لما فيه من المفاسد العظيمة. منها : أن مجرد السكوت ، فعل معصية ، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه ـ كما يجب اجتناب المعصية ـ فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية. ومنها : ما تقدم ، أنه يدل على التهاون بالمعاصي ، وقلة الاكتراث بها. ومنها : أن ذلك يجرىء العصاة والفسقة ، على الإكثار من المعاصي ، إذا لم يردعوا عنها ، فيزداد الشر ، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية ، ويكون لهم الشوكة والظهور. ثم بعد ذلك ، يضعف أهل الخير ، عن مقاومة أهل الشر ، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أولا. ومنها : أنه ـ بترك الإنكار للمنكر ـ يندرس العلم ، ويكثر الجهل. فإن المعصية ـ مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص ، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها ـ يظن أنها ليست بمعصية ، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة. وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرّم الله ، حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟ ومنها : أن بالسكوت على معصية العاصين ، ربما تزينت المعصية في صدور الناس ، واقتدى بعضهم ببعض. فالإنسان ، مولع بالاقتداء بأحزابه ، وبني جنسه. ومنها ومنها. فلما كان السكوت على الإنكار بهذه المثابة ، نص الله تعالى ، أن بني إسرائيل الكفار منهم ، لعنهم بمعاصيهم ، واعتدائهم ، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم.
[٨٠] (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ). (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالمحبة والموالاة والنصر. (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) البضاعة الكاسدة ، والصفقة الخاسرة. وهي : سخط الله ، الذي يسخط لسخطه كل شيء ، والخلود الدائم في العذاب العظيم. فقد ظلمتهم أنفسهم ، حيث قدمت لهم ، هذا النزل ، غير الكريم. وقد ظلموا أنفسهم إذ فوتوها النعيم المقيم.
[٨١] (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ). فإن الإيمان بالله وبالنبي ، وما أنزل إليه ، يوجب على العبد موالاة ربه ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة من كفر به وعاداه ، وأوضع في معاصيه. فشرط ولاية الله والإيمان به ، أن لا يتخذ أعداء الله أولياء. وهؤلاء لم يوجد منهم الشرط ، فدل على انتفاء المشروط. (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي : خارجون عن طاعة الله والإيمان به ، وبالنبي. ومن فسقهم ، موالاة أعداء الله.
[٨٢] ثم قال تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً) إلى (أَصْحابُ الْجَحِيمِ). يقول تعالى ـ في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين ، وإلى ولايتهم ، ومحبتهم ، وأبعدهم من ذلك : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا). فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق ، أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين ، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم. وذلك ، لشدة بغضهم لهم ، بغيا ، وحسدا ، وعنادا ، وكفرا. (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى). وذكر تعالى لذلك عدة أسباب : منها : أن (مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) أي : علماء متزهدين ، وعبّادا في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد ، وكذلك العبادة ـ مما يلطف القلب ويرققه ، ويزيل عنه ما فيه ، من الجفاء والغلظة ، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود ، وشدة المشركين. ومنها : (أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي : ليس فيهم تكبر ولا عتو ، عن الانقياد للحق. وذلك موجب لقربهم من المسلمين ، ومن محبتهم. فإن المتواضع ، أقرب إلى الخير ، من المستكبر.
[٨٣] ومنها : أنهم (إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) محمد صلىاللهعليهوسلم ، أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له ، وفاضت